في عالم مسكون بالظلام , تكون للكلمة ألوان و إيحاءات ...
لذا ستكون كلماتي طويلة ..
في يومٍ كانت بدايته عادية مثل أي يوم أخر , و بين لحظة عادية و أخرى غير عادية جرحت قرنية عيني بظفر طفلتي الصغيرة ..
الألم رهيباٌ , لم أستطع كبت دموعي و أهاتي , و أنا التي لطالما اعتبرت نفسي جلودة على الألام ...
طلب مني الطبيب وضع ضمادة على عيني المصابة و إغلاق الأخرى لمدة أربعة أيام متواصلة ...
قد أكون تعلمت في هذه الأيام ما لم أتعلمه في حياتي بأسرها ..
دخلت هذا السجن لأخرج منه بتجارب أثرت حياتي ,و لتكون هذه النقمة التي حلت بي من النعم التي أنعم الله بها عليّ ..
كنت فيما مضى أغمض عيناي لبرهات معدودة لأختبر شعور من فقد نور عيناه , و لأشكر الله على نعمة البصر ..
و اعتقدت أني فهمت أهمية هذه النعمة جيداً ...
و لكن ما اكتشفته هو أني لم أكن سوى ألهو ...
اكتشفت أن عيناي هما قوتي ..
و أن كل ما أحبه في هذه الدنيا متعلق ببصري ..
رؤية وجوه أطفالي و التمتع بأيديهم الصغيرة .
الإبحار في عالم الإنترنت ..
قراءة كتاب أفضله ..
و حتى أعمالي المنزلية الروتينية المعتادة ..
تعلمت أن لا أنظر أبداً بعين الشفقة لمن فقد بصره
فإنسان يحقق إنجازات بحياته التي خبا نورها , ليس بالتأكيد إنسان عادي , إنه إنسان يستحق نظرة احترام و تقدير لا نظرة عطف و شفقة ,
تعلمت أن الله جل و علا لا يمكن أن يحاسبني على أعمالي كما سيحاسبه هو ...
تعلمت أن أشكر ربي على نعمة الجفن و نعمة الرمش و نعمة الدمع ...و على كل نعمة لا ندري كنها إلا عند فقدانها ..
تعلمت أن الإنسان ضعيف جداً فخدشٌ بسيط أقعدني في فراشي لمدة اسبوع تقريباً ..
تعلمت أن ما يفصل الإنسان عن ساعة قد تغير حياته ليس سوى لحظات ...
الموت بجلاله و رهبته قد يكون في اللحظة التالية , فماذا قدمت لأخرتي ؟؟؟
كان زوجي قد تعرض لحادثٍ مشابهٍ في فترة سابقة ...
حزنت عليه كثيراً و اعتنيت به و ألمني ألمه ..
و لكن بعد أن تعرضت لنفس جرحه , أدركت أني لم أقدر ما مر به من ألالام ....
فكرت حينها بعشرات الجرحى في العراق و فلسطين التي تطالعني صورهم في شاشات التلفاز , و كانت دعواتي تنصب عليهم بشكل ألي ..
تعلمت أنني مهما ادعيت أنني حساسة لمشاعر الأخرين ,فلا يحس بالألم غير صاحبه ..
تعلمت أن أشبع دعواتي لهم بكل الحرارة التي أحسها بقلبي , لأن ألمهم لا يعلم به سوى الله ..
تعلمت أن أدعو لهم بالتخفيف عنهم و أن يجزيهم الله عن معاناتهم جنة و مقام لا يدخلها أحد سواهم ...
تعلمت أن أستغفر ربي عن قلة مبالاتي بهم و عن ذنوب أخرى غفلت عنها و اقترفتها و أنا لا أدري ...
اليوم عادت عيني بحمد لله تقريبا كما كانت ..
أما أنا فلا ...
فالحمد لله على نعمه حمدا كثيرا مباركا كما ينبغي لجلال وجهه و عظيم سلطانه .
الروابط المفضلة