بسم الله الرحمن الرحيم
نكمل عوامل الارتقاء الإيماني..فقد ذكرنا ثلاث عوامل ونكمل هنا..
فالعامل الرابع هو التفكر في مخلوقات الله..
نعم ..التفكر هذه العبادة المنسية في هذا الوقت..
أن يخرج الإنسان بقلبه وعقله ومشاعره من هذا الكون ويبدأ بالتفكر في مخلوقات الله
ويعلم أن لهذا الكون خالقا عظيما سبحانه وتعالى..
إله قادر على كل شيء بيده ملكوت السماوات والأرض..
ومما يروى عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه كان يخرج أحيانا إلى الحدائق والبساتين
فيمكث فيها الساعات الطوال ويقول والله ما خرجت إلى هذه لأتنزه..
ولكن خرجت لأتفكر في عظمة ربي وأقوي إيماني..
ومما يروى عن أحد الزهاد أنه أحس في يوم من الأيام بقسوة في قلبه فخرج يراقب غروب الشمس وكأنها تودع هذا الكون في منظر عجيب وفي هذه الأثناء رأى حمامة فوق أحد الأغصان تنوح وكأنها تسبح الله تعالى..فقال في قصيدة مطلعها:
نوح الحمام على الغصون شجاني *** ورأى العزول سبابتي فبكاني
إن الحمام ينوح من ألم النوى *** وأنا أنوح مخافة الديان
يا واحدا في ملكه ماله ثاني *** يا من إذا قلت يا مولاي لباني
أنت سوف تذكرني في كل نائبة *** فكيف أنساك يامن لست تنساني
أنا إن بكيت فلا ألام على البكى *** فلطالما استغرقت في العصيان
يا رب عبدك من عذابك مشفق *** بك مستجير من لظى النيران
فارحم بكاه اليوم وتضرعه *** وامنن عليه بالغفران
لقد أمرنا الله في آيات كثيرة من القرآن بالتفكر والتدبر وأن نرى عظمة الله تعالى في هذا الكون فمن ذلك:
((أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت..وإلى السماء كيف رفعت..
وإلى الجبال كيف نصبت..وإلى الأرض كيف سطحت...))
لو تأمل الإنسان في حياة الإبل يجد الجمل يشق الصحراء ويمكث عدة أيام بلا طعام
ولا شراب ..
عندها يتذكر معنى الصبر وأن الإنسان لابد أن يصبر على متاعب هذه الحياة..ولابد أن يصبر على تبعات هذا الدين حتى يبلغه للناس ..
ولابد أن يستفيد من هذا الجمل هذه الدروس التي وضعها الله فيه..
وحينما ينظر إلى السماء فيتذكر بعلوها همة المؤمن العالية فلا يرضى بالدنايا بل تتطلع همته إلى أعلى وأعلى ويتفكر في عظمة خالقها الذي رفعها بلا عمد ..
ثم يتأمل فيما تحويه هذه السماء من نجوم وأفلاك وأقمار..فإذا نظر إلى القمر تعجب من جماله وتعجب من إضاءته ليلة البدر للكون فيتعلم أن المسلم لابد وأن يشع نوره بدعوته ليقود الناس إلى الهداية والطريق المستقيم..
وعندما يتأمل في هذه الشمس المحرقة التي لو اقتربت منا سنتميتر واحد لأحرقت الكون وأذابته ولو ابتعدت أيضا لتجمدت الأرض ومن عليها..
فإذا أحس حرها تذكر ذلك اليوم الذي يقف فيه بين يدي الجبار يوم القيامة عندما تدنو من الخلق قدر ميل فيستعيذ بالله من العذاب..ويستعد لذلك اليوم..
وعندما يتأمل في الجبال ..هذه الجبال الشاهقة .. يتذكر عظمة الله تعالى فيها وأن هذه الجبال كلها سوف تكون كالعهن المنفوش(القطن)..((وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب...))..
ويتعلم من شموخ الجبال عزة المؤمن وثباته وأن المؤمن ثابت على مبدئه لا يتزعزع مهما مر عليها من الشهوات ومهما هبت عليه من رياح الشبهات ..فهو ثابت حتى الممات..
عندما يرى الأودية السحيقة يتذكر أودية جهنم وشدة العذاب فيها من صديد أهل النار
وزقومها ونتنها وحرها فيستعيذ بالله من العذاب..
وعندما يرى الأنهار يتذكر أنهار الجنة وتقلب المؤمن فيها وحلاوتها وحسنها..
وعندما يرى الصحراء وعظمتها وامتدادها يسبح الله ويعرف عظمته..
وكذلك البحار والأشجار والطيور والحيوانات وجميع المخلوقات..يجدها تدل على عظمة خالقها
وأنه مدبر هذا الكون لا يخفى عليه خافية ..لا يخفى عليه أبدا شيء من أمرها..
((وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها....))
بل لو تفكر الإنسان في خلقه هو لأخذ به العجب كل العجب..
إن السعيد من وفقه الله تعالى لعبادته وتسخير كل ما في هذا الكون لهذه الغاية العظيمة ..
إن الإنسان ليطرق برأسه خجلا عندما يرى عظمة خالقه ويتذكر ذنوبه ومعاصيه وتقصيره..
نسأل الله تعالى أن يعيننا على التدبر في هذا الكون..وتسخيره في طاعته ورضاه..
الروابط المفضلة