بسم الله الرحمن الرحيم
تكلمنا في السابق عن الديمقراطية..حتى توقفنا عند أول عيب من عيوب الديمقراطية..وهو أنها حكم بغير ما أنزل الله..وإعطاء حق التشريع لغير الله..
والحقيقة أن من المناسب أن نقف هنا عند نقطة مهمة يخلط فيها كثير من الناس..وهو ظنهم بأن الديمقراطية هي نفسها الشورى الشرعية..ويقول أن الله عز وجل أمر بالشورى..فنحن هنا في الديمقراطية نأخذ بالشورى!..
والحقيقة أن هناك فرقا بين الديمقراطية والشورى الشرعية ..ونذكر ذلك هنا بإيجاز..
ولنبدأ هنا بذكر نظام الحكم الإسلامي لتكون الصورة أوضح..فنظام الحكم في الإسلام هو أن يقوم أهل الحل والعقد بانتخاب إمام المسلمين..كما قام علماء الصحابة بانتخاب أبي بكر رضي الله عنه..وأهل الحل والعقد ليسوا عامة الأمة وإنما هم العلماء وأصحاب المكانة في الأمة مثل شيوخ القبائل ونحوهم من المؤثرين في المجتمع ويشترط فيهم أن يكونوا من أصحاب التقوى والصلاح والخوف من الله..فهؤلاء المؤثرين في الأمة ينتخبون إمام المسلمين ويشترط في إمام المسلمين أن يكون قرشيا..صالحا..محققا لأحكام الإسلام قائما بمصالح المسلمين..
وهذا هو الأصل الشرعي في انتخاب إمام المسلمين ولكن هناك صور أخرى أيضا فيحق للخليفة أن يولي بعده ويقره أهل الحل والعقد كما ولى أبوبكر رضي الله عنه عمر بعده..فأقره أهل الحل والعقد ..
وتبقى صورة أخرى..
وهي أن يأتي حاكم ويتغلب ويحكم بالقوة..فإذا حكم حاكم بالقوة ثم حكم بالشرع وطبقه ..فإنه كما قال العلماء تجب الطاعة له..والدليل قوله عليه الصلاة والسلام((وإن تأمر عليكم عبد حبشي فاسمعوا له وأطيعوا))..فهنا العبد الحبشي ليس من قريش وقوله "تأمر" يدل أنه تأمر بالقوة..ولكن الشرط أن يحكم بشرع الله ..
إذا الطريقة الشرعية في انتخاب إمام المسلمين هي كما سبق..لكن في الديمقراطية يتساوى الناس..فيتساوى العالم مع الجاهل والذكي مع الغبي والطائع لله والعاصي له..فالأصوات في الديمقراطية متساوية فلو جاء العالم الرباني ورشح فلان فإنه يتساوى مع رجل آخر عاص لله فاسق رشح فلان..فالصوت هو الصوت..
فهذا التساوي تساوي الرجال مع النساء والصغار مع الكبار..ليس واردا في الشرع..وإنما الذين لهم انتخاب إمام المسلمين في الشرع كما ذكرنا العلماء الربانيين و رؤوساء الأجناد ونحوهم من المؤثرين في الأمة كشيوخ القبائل وغيرهم..إذا كانوا من أهل الخير والصلاح والتقوى..وهنا سنجد فرق كبير بين من يُنتخب من غوغاء الناس وعامتهم وبين من يُنتخب من قبل خلاصة المجتمع من العلماء وغيرهم من المؤثرين..لأن الذي انتخب من العلماء انتخب من خلاصة المجتمع وخير الناس..لذلك سنجد الذي انتُخب من قبلهم هو أفضل نموذج للحاكم..ولذا كان أبوبكر رضي الله عنه هو أفضل من حكم المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ..هذا من جانب..
والجانب الآخر أن الشورى ليس فيها تكوين أحزاب وليس فيها صراع على السلطة..وإنما أهل الشورى ينصحون ويأمرون بالمعروف ويحقنون دماء المسلمين..ويسعون لما فيه مصلحة الأمة..
ولكن نجد في الديمقراطية وجود أحزاب وتصارع على السلطة عن طريق الأصوات الانتخابية ..وإقامة حملات الانتخابات..
ومن الجانب الثالث..أهل الشورى لا يناقشون الأحكام التي وردت في الشرع ..فلا يأتون مثلا ويناقشون الزنا نجعله محرما أو حلالا..أو الخمر نسمح به أو لا نسمح..لأن هذا فيه حكم من الله ..فالأحكام الشرعية الواضحة غير داخلة في الشورى..وإنما الذي يدخل في الشورى هو ما ترك للناس من الأمور التي يكون فيها مصالح للمسلمين وهي مما ترك للناس في تدبيرهم الدنيوي..مثل أمور المعارك وتنصيب القواد عليها..فهل نجعل القائد فلان أو فلان..هل فلان أكفأ أم فلان أفضل..ونحو ذلك ..وكما شاور النبي صلى الله عليه وسلم في معركة أحد هل نبقى وننتظرهم في المدينة أم نخرج خارج المدينة ..ونحو ذلك من الأمور العامة..فأهل الشورى لا يحلون حراما ولا يحرمون حلالا..فإنهم لو فعلوا ذلك لأصبحوا طواغيت..
ولكن نجد في الديمقراطية أن كل شيء قابل للتشريع ..قابل للتحليل والتحريم..وهكذا نجدهم في الغرب مثلا..أباحوا الشذوذ الجنسي بعد انتشاره بينهم بل وجعلوا له قوانين في دستورهم..وفي ديمقراطية بعض دول العالم الإسلامي أيضا نجد أن هناك أحكام تخالف الشرع ..ففي الشرع نجد أنه لو زنى المحصن فإنه يرجم..ولو زنى غير المحصن يجلد ويغرب عام..لكن في الديمقراطية وضعوا تشريع جديد فقالوا يسجن أو يغرم..بحسب حالة الفتاة هل اعتدي عليها أم لم يعتدى عليها ..هل كانت راغبة أم كانت مكرهة..وهكذا تتفاوت العقوبة..ويعتبرون أن هذه حريات شخصية لا يحق لأحد أن يعترض عليها إلا إذا كان هناك شكوى!!..
فالديمقراطية يحق فيها لأي نائب أن يعترض على أي حكم من أحكام الله ..بل ويعتبر أن هذا من حقه كنائب وليس لأحد أن يمنعه من ذلك..
فنلاحظ أن هناك فروقا جوهرية بين الديمقراطية والشورى الإسلامية ..
ولو جاءنا شخص وقال نحن ننادي بديمقراطية الإسلام..نقول أصلا الإسلام ليس فيه ديمقراطية..فالديمقراطية أصلا كفر ..إذ يشرع فيها البشر بأهوائهم..أما في الإسلام فالله هو المشرع..وشرع لخلقه أقوم شرع وأحسنه..فنموذج الإسلام في الحكم ليس له مثيل ..وهذا شيء طبيعي فلا يمكن أن يتساوى ما شرعه الله الذي هو أعلم بعباده إذ خلقهم ..وبين ما شرعه خلقه بعقولهم القاصرة وأهوائهم وشهواتهم !..
نكمل في المرات القادمة إن شاء الله عيوب الديمقراطية..
ونبين أنها من جهة ديمقراطية ولكنها من جهة أخرى ديكتاتورية..
نسأل الله للجميع التوفيق والسداد..
رد مع الاستدلال
--
الروابط المفضلة