الحكمة من صيام الرسول صلى الله عليه و سلم لشهر شعبان أكثر مما يصوم في غيره من الشهور :
هذه المسألة اختلف فيها العلماء على خمسة أقوال :
الحكمة الأولى : فقال بعض أهل العلم : لعل النبي صلى الله عليه و سلم كان يشتغل عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر من الأشهر المتقدمة قبل شهر شعبان إما بسفر أو غزو أو مرض فتمر عليه الأشهر و هو لا يتمكن من صيام ثلاثة أيام فكان يتدارك ما فاته من أيام فيصومها في شهر شعبان و لكن هذا القول ليس عليه دليل ورد به حديث ضعيف عن عائشة و لكن لا تقوم به الحجة
الحكمة الثانية : أنه صلى الله عليه و سلم حريص على فعل الخير و سوف يأتي شهر رمضان و لا يستطيع أن يأتي فيه بعبادة و هي عبادة صيام النوافل في ذلك الشهر لأن رمضان لا يصح أن تقع فيه نافلة لأن صوم رمضان واجب و الرسول صلى الله عليه و سلم يريد صيام ثلاثة أيام من ذك الشهر فأكثر من الصيام في شهر شعبان لأجل ألا يفوته صيام النفل في رمضان و هذا قال به بعض الفقهاء و هو بعيد .
الحكمة الثالثة : أنه كان يصوم شعبان تعظيما لشهر رمضان حيث يستقبل شهر رمضان بالطاعة و القربة و يظهر عليه آثار الفرح بصيام النافلة قبل صيام الفرض فيستقبله بارتياح و جد و عزم فكان يصوم أكثر شعبان توطئة لصيام شهر الفرض رمضان و قد ورد بهذا حديث ضعيف رواه الترمذي و قال حديث غريب و كل لفظ يقول الترمذي في سننه غريب فهو ضعيف فعن أنس قال سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الصوم أفضل بعد رمضان فقال : ( شهر شعبان تعظيما لرمضان ) و هذا حديث ضعيف و يعكر على هذا حديث صحيح في صحيح مسلم و في سنن أبي داود و الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ) و على هذا فأفضل الصيام بعد شهر رمضان هو صيام شهر المحرم كاملا و أما أن تصوم شعبان فالرواية ضعيفة و على هذا يقدم الحديث الصحيح على الحديث الضعيف و لكن إذا كان صيام شهر الله المحرم أفضل الشهور عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فلماذا لم يكر النبي صلى الله عليه و سلم فيه الصيام كما كان يكثر في شهر شعبان ؟ فأجاب النووي رحمه الله : لعل الله أطلع نبيه على فضل صيام شهر الله المحرم فما امتدت حياته ليكثر من الصيام في شهر محرم و عيه كان يكثر في شهر شعبان و أما محرم فأخبر أمته بفضه و ما فيه من الأجر ثم مات و م يكثر من الصيام فيه لأن ذلك الخبر جاء الرسول صلى الله عليه و سلم و هو في آخر رمق به من حياته . و لكن القول هذا لا دليل علليه . قال النووي : إذا سلمنا بأن النبي صلى الله عليه و سلم علم بفضل صيام محرم و لم يصم قلنا : لعله طرأ عليه عذر شرعي منعه من الصيام إما بغزو أو مرض أو سفر و الله أعلم .
الحكمة الرابعة : كان يخص شهر شعبان بكثرة الصيام و ذلك من أجل نسائه فأمهات المؤمنين يصمن ما عليهن من قضاء في شهر شعبان فكان يوافق أهله فيكر من الصيام في شعبان من أجلل ذلك و يعكر عيه ما ورد من حديث عائشة كما في الصحيحين قالت : ( كان عي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان ) قال يحيى بن سعيد الأنصاري : و ذلك لشغلها بالنبي صلى الله عليه و سلم و على هذا فأمهات المؤمنين كن يصمن في شعبان من أجل النبي صلى الله عليه و سلم لا العكس و هذا بعيد .
الحكمة الخامسة : ثبت في سنن النسائي و صحيح ابن خزيمة رضي الله عنهم عن أسامة قال : قلت : يا رسول م أرك تصوم من شهر ما تصوم من شهر شعبان فقال : ( ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب و رمضان و هو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أ يرفع عملي و أنا صائم ) و هذا القول أولاها الصواب فشهر رجب يجد الناس فيه بالطاعات لأنه من الأشهر الحرم و رمضان شهر مبارك معظم فربما يأتي شهر شعبان فيغترون عن العبادة و يتكاسلون . قال ابن حجر و جاء في مسند أبي يعلى عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم شعبان كله فقلت : يا رسول الله أراك تصوم في شعبان ما لا تصوم في غيره ؟ فقال : ( إن الله يكتب على كل نفس منية تلك السنة فأحب أن يكتب أجلي و أنا صائم ) و لذلك يكتب على كل نفس منية بكل سنة و سوف تأخذ الملائكة أسماء الذين يموتون في الأيام القادمة من السنة القادمة بنص حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم المتقدم و نحن في هذا ( أمواتا و أحياء ) و عليه فهذا الشهر العظيم شهر كريم و ينبغي الحرص على الصيام فيه و الحديث المتقدم حديث حسن ليس فيه إلا مسلم بن خالد الزنجي و فيه كلام و قد وثق عند أهل العلم قال ابن حجر : هو صدوق
من كتاب ( أحكام رجب و شعبان )
لفضيلة الشيخ : عبود بن علي بن ردع . المحاضر بكلية الشريعة و أصول الدين بالجنوب
الروابط المفضلة