<center>
أماه أُماه...
هل تسمعيني؟! هل تنصتين لي؟ هل تسمعين صراخي وأناتي؟!! إذا كنت لا ترين ذلك فهاأنذا بين يديك، وقلبي متعلق براحتيك؟!! فأدني مني يا أماه وقربيني إليك، ولأرتمي بحضنك، وأبث شكوتي، فكفكفي حزني، وامسحي دمعي، كبليني بقيودك فلا قيد أطيق اليوم سوى قيدك، ولا عذاب في هذه الساعة إلا من أجلك؟!! احميني من ثعالب هذا الزمن وشبح الأيام، إذ يقيني برد حبك، ودفء حضنك، وحلاوة نصحك، لا تدعيني أتيه بين أدراج الحياة، وأتخبط في جحيم العصاة، وأكون أسيرة بين أيديهم، يفعلون بي ما يشاءون، يبيعونني في أي سوق ويشترون، فأنا أصبحت كالسلعة التي بها يسومون، وعلى بضائعها ينادون؟!! أماه.. لا تتركيني حائرة تائهة بزنزانة الأوغاد، قلوبهم مليئة أحقاد.
أُماه... أنا مسؤولة منك بعد الله تعالى يوم الحساب، وسيسألك الله عني، ستقفين يوم العرض الأكبر أمام الله وسيحاسبك عني، فإما إلى نعيم، أو إلى عذاب، فلا أريد لك العقاب.
أُماه... لا تنسين الصراط وزلته، والقبر ووحشته، ويوم القيامة وزفرته، والجحيم وظلمته، ويوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه، فأنا أريد أن أنقذك من جحيم هذه المهالك، لا أريد أن يصاب جسدك بنار الدنيا فكيف لي بنار الآخرة؟!
أُماه... لا أريد أن يعذبك الله بسببي، ولا أن يحاسبك ويعاقبك من أجلي، فأنا أمانة في عنقك فلا تضيعيني، ومعلقة في رقبتك فلا تهمليني، ولاجئة لك فلاتخذليني؟!!
أنقذيني يا أماه..
من جحيم معركة خططها اليهود، قد جهزوها بالجنود، لبسوا قناع الإسلام وهم بخفاياهم لئام. أماه أنقذيني فأنا ألجأ إليك وأحتمي بك بعد الله تعالى، أرجوك رجاء يقطع أنياط قلبي، لا تتركيني يا أماه.. لا تدعيني.. آكل وألبس وأشرب.. من موائد الكفرة..!!
أُماه...
إن تذهبي عني فمن لي غيرك بعد الله يحميني؟! ومن لي غيرك يداوي جراحي، إن تركتيني فلا معين لي بعد الله سواك، ولا ناصر من ظلم الأعداء بعد الله غيرك؟!! أماه.. أقولها بملء فيّ، أرجوك لا تدعيني، وبعطفك ووعظك غطيني، وبحلاوة كلامك أرشديني، أماه.. أنقذيني وأيقظيني من هذا السبات العميق، فقلبي يشتعل كالحريق، ودمعتي وحسرتي تأكل مني الأخضر واليابس، فلا تدعيني في الطريق المظلم وحدي، أمسكي بيدي، وقربيني إلى طريق الطاعة، أماه.. أنا أتخبط هنا وهناك ضائعة ظمأى لعظاتك..!!
فأرجوك.. أرجوك.. احميني لا تدعيني.. لا تتركيني؟!!
أُماه... لا أريد أن أطيل عليك أكثر مما أطلت، فربما أدميت قلبك بأناتي، وسكبت دمعك بمناجاتي، ولكني سأطلب منك طلباً قبل نهاية مطافي، أن تدعيني أتحدث.. أتكلم بصراحة وبدون قيود، أقول ما بداخلي، فلساني المشلول بدأ يتحرك، وضميري بدأ يستيقظ، وفطرتي بدأت تنبض، وقلمي بدأ يبث دمه على الأوراق، وأوراقي تسكب دمعها لك، فقد أمسكت لساني من القدم، فها هو- الآن يا أماه- يريد أن يتكلم، فدعيه يبث شكواه، بعد إذن منك، ولكن اعلمي يا أماه أنه قبل أن ينزف قلبي دمعاً من أجلي، فهو ينزف دماً من أجلك، وخوفاً عليك، سأعاتبك يا أماه اليوم عتاباً والله ما قصدت به إلا الخير لي ولك ولجميع الناس.
...أُماه... أرجوك لا تتضايقي مني، فإليك عتابي ولكن قبل ذلك.. اعذريني يا أماه وسامحيني... لأنه ربما يكون عتابي هذا محاسبة لي ولك، علنا نجد الجواب الشافي الذي يشفي صدورنا... سنتحاسب اليوم يا أماه.. قبل أن نحاسب غدا..!! سأقلب صفحات حياتي صفحةً صفحة، فقلبيها معي ورقةً ورقة علّ ما تلطخ في الصغر وتدنس- الآن- يرجع ناصعاً طاهراً شريفاً..
المصدركتيب:رسالة إلى أم
</center>
الروابط المفضلة