بسم الله الرحمن الرحيم
إن منهج أهل السنة والجماعة ينص على أن الإيمان يزيد وينقص ..
يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي والمنكرات..
ولما كان الإيمان يزيد وينقص فإن المؤمن مطالب بأن يرتقي بمستوى إيمانه
فلا يمر عليه يوم إلا وهو أفضل من اليوم الذي قبله..
وإني في هذه السلسلة سأناقش مجموعة من الوسائل والعوامل التي يرتقي بها الإيمان
ويسمو ويعلو..ونسأل الله التوفيق والسداد..

أول هذه العوامل..قيام الليل..
قيام الليل من أكبر عوامل الارتقاء الإيماني ..يقول الله عن أهل القيام ((تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا....))...
ثم قال مبينا لجزائهم ((فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين..))
ويقول ممتدحا المؤمنين ((كانوا قليلا من الليل ما يهجعون...))
ويقول لنبيه ((ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا..))
ويقول مخاطبا نبيه ((يأيها المزمل..قم الليل إلا قليلا ..نصفه أو انقص منه قليلا ...
أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا...))
لماذا؟؟..
((إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا))

يقول سيد قطب رحمه الله تعالى:حين يطول الأمد..ويشق الجهد..قد يضعف الصبر..الصبر على الطاعات ..والصبر على بطء النصر..والصبر على بعد الشقة..والصبر على انتفاش الباطل ..والصبر على قلة الناصر..الصبر على طول الطريق الشائك..والصبر على التواء النفوس..وضلال القلوب وثقلة العناد..
ثم يأتي الخطاب من الله بهذا القول((يأيها المزمل..قم الليل إلا قليلا..))
فكان الإعداد بالقول الثقيل والتكليف الشاق..والدور العظيم..هو قيام الليل وترتيل القرآن..
إنها العبادة التي تفتح القلب..وتوثق الصلة بالله عز وجل..وتيسر الأمر ..وتشرق بالنور وتفيض بالعزائم..والسلوى والراحة والاطمئنان..إنها الروح والندى والظلال في الهاجرة..إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود..إنها زاد الطريق..ومدد الروح وجلاء القلب ..إنها الانطلاقة من حدود الواقع الأرضي الصغير..إلى مجال الواقع الكوني الكبير..
وقد نجح النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته ونجح الصحابة رضوان الله عليهم في هذه الدعوة ..
لأنه كان لهم نصيب وأي نصيب من الليل..ولو تأملنا في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم..نجد أن سيرته مليئة بتلك المواقف التي كان عليه الصلاة والسلام فيها يقوم الليل..
روى ابن مردويه عن عطاء قال: انطلقت أنا وابن عمر وعبيد بن عمرو إلى عائشة رضي الله عنها فدخلنا عليها وبيننا وبينها حجاب فقالت: يا عبيد ما يمنعك من زيارتنا ..قال القول:زر غبا تزدد حبا..
فقال ابن عمر رضي الله عنه: أخبرينا بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فبكت الصديقة بنت الصديق وقالت: والله إن أمره كله كان عجبا ..أتاني في ليلة حتى مس جلده جلدي ..ثم قال يا عائشة ذريني أتعبد لربي عزوجل..قالت فقلت :والله إني لأحب قربك يا رسول الله وإني أحب أن تعبد ربك فقام إلى القربة فتوضأ ثم قام يصلي عليه الصلاة والسلام ثم بكى حتى بل لحيته ثم سجد فبكى حتى بل الأرض ثم اضطجع على جنبه فبكى..حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح ..قال يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ..فقال ويحك يا بلال وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله علي في هذه الليلة
((إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الأباب.............))

وكان سفيان الثوري رحمه الله يقوم الليل حتى الصبح فإذا أصبح رفع رجليه على الحائط حتى ينزل الدم إلى رأسه وباقي جسمه من طول وقوفه بين يدي الله عزوجل..
ووالله لولم يجد الشخص في قيام الليل إلا أن يبث شكواه بين يدي مولاه فأعظم بها من نعمة ..
أن تقوم من نومك وتتوضأ وتخلو بمولاك وأنت العبد العاصي المذنب فتبثه شكواك..وتسأله إجابة دعاك..وأنت متضرع باكي بين يديه..ما يدريك لعل دمعة واحدة تخرج من عينك ولكن تخرج بصدق ..وتخرج من قلب محب لله خائف منه..لعلها تكون سببا في أن يقول الله لك غفرت لك فافعل ما شئت..لعلها تكون سببا في رضاه ودخولك الجنة..

و الأسباب المعينة على قيام الليل أسباب حسية وأسباب معنوية..
فمن الأسباب الحسية ألا يكثر الإنسان من الأكل لأن ذلك سبب في الخمول والكسل والإكثار من النوم.. فإذا ثقل عليه نومه صعب عليه القيام..
وكذلك من الأمور الميسرة للقيام القيلولة..فإن الإنسان إذا نام شيئا يسيرا بالنهار وخصوصا قبل صلاة الظهر..فإن ذلك مما يعين على القيام..
وكذلك وهذا من أهم الأمور التدرج في قيام الليل لأن الإنسان أحيانا يأخذه الحماس في البدايات فيقوم الساعة والساعتين ثم يفتر فتورا شديدا وينقطع عن القيام..
ولكن يتدرج فيبدأ ولو بركعتين مع الوتر قبل صلاة الفجر ويستمر على ذلك فترة ثم يتدرج شيئا فشيئا ..
ومن أهم الأمور التي تعين على قيام الليل اجتناب المعاصي..فوالله إن الإنسان ليحرم قيام الليل بسبب ذنب يذنبه..فإن المعاصي والذنوب سلاسل تكبل الإنسان وتعيقه عن الطاعات..
يقول سفيان الثوري رحمه الله:
حرمت قيام الليل ستة أشهر بسبب ذنب أذنبته..ذنب واحد حرمه ستة أشهر..
وصدق ابن تيمية رحمه الله حين قال عن السلف :قلّت ذنوبهم فعلموا من أين أتوا..

وسأل رجل الحسن البصري فقال: يا إمام إني أنام مبكرا وأعد طهوري لقيام الليل ثم يفوتني القيام ..فقال له الحسن رحمه الله :قيدتك ذنوبك..نعم والله..قيدتك ذنوبك..
والله إن الذي حرمنا من قيام الليل هو ذنوبنا ومعاصينا ..
ومن الأسباب القلبية المعينة على القيام:
سلامة الصدر ونقاء القلب لجميع المسلمين..بأن الإنسان إذا نام ينام وقد صفى قلبه ونقاه لجميع المسلمين ولا يجعل في قلبه غلا ولا حقدا على أحد من المسلمين ..
ومما يعين الشوق إلى لقاء الله والشوق إلى مناجاته والتلذذ بذكره..وأن يعرف فضل قيام الليل ..
والله إن المتأمل لسيرة السلف الصالح ليجد أن من أعظم الأسباب المعينة لهم هو شوقهم إلى لقاء الله وتلذذهم بمناجاته وإحساسهم بذلك..
قال أبو سليمان الداراني رحمه الله :لو عوض الله أهل الليل عن قيامهم ما يجدونه من اللذة لكان ذلك أكثر من ثواب أعمالهم..
وكان بعض الزهاد يقول:إن الله لينظر بالأسحار إلى قلوب المتيقظين فيملؤها أنوارا..فترد الفوائد على قلوبهم..وتستنير بها..ثم تنتشر من قلوبهم العوافي إلى قلوب الغافلين..

وشكى بعضهم إلى شيخه طول الليل وطلب منه حيلة يستجلب بها النوم فقال له شيخه يا بني إن لله نفحات بالليل والنهار..تصيب القلوب المتيقظة وتخطئ القلوب النائمة فتعرض يا بني لتلك النفحات وأعلم أن هذه النفحات بالليل أرجى.. لما في قيام الليل من صفاء القلوب واندفاع الشواغل..

وسئل الحسن البصري رحمه الله تعالى: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوها..
فقال:خلو بالله فأكسبهم نورا من نوره..

ونلتقي مع عامل آخر من عوامل الارتقاء الإيماني بإذن الله..
نسأل الله الفردوس الأعلى..

أثابكم الله بالفردوس الأعلى ..
بإنتظار بقية السلسه .

بارك الله فيكم ونفع بكم ..

شمس الحق
زوجة داعية

بارك الله فيكما
ووفقكما لما فيه رضاه..