تفسير ما تيسر من سورة الممتحنة===============================
تفسير الآيات (1)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)
شرح الكلمات
{لا تتخذوا عدوى وعدوكم}: أي الكفار والمشركين.
{أولياء تلقون إليهم بالمودة}: أي لا تتخذوهم أنصاراً توادونهم.
{وقد كفروا بما جاءكم من الحق}: أي الإِسلام عقيدة وشريعة.
{يخرجون الرسول وإياكم}: أي بالتضييق عليكم حتى خرجتم فارين بدينكم.
{أن تؤمنوا بربكم}: أي لأجل أن آمنتم بربكم.
{إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي ابتغاء مرضاتي}: فلاتتخذوهم أولياء ولا تبادلوهم المودة.
{تسرون إليهم بالمودة}: أي توصلون إليهم خبر خروج الرسول لغزوهم بطريقة سرية.
{ومن يفعله منكم}: أي ومن يوادهم فينقل إليهم أسرار النبي في حروبه وغيرها.
{فقد ضل سواء السبيل}: أي أخطأ طريق الحق الجادة الموصلة إلى الإِسعاد.
معنى الآيات
فاتحة هذه السورة {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء...} الآيات.
أولاً:أسباب النزول:
•نزلت في شأن حاطب بن أبي بلتعة وكان من المهاجرين الذين شهدوا بدراً
روى مسلم في صحيحه عن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة خاخ (موضع بينه وبين المدينة اثنا عشر ميلا) فإن بها ظعينة (امرأة مسافرة) معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا نهادى خيلنا أي نسرعها فإذا نحن بامرأة قلنا أخرجي الكتاب، فقالت ما معي كتاب. فقلنا لتخرجن الكتاب، أو لَتُلْقِنَّ الثياب (أي من عليك) فأخرجته من عقاصها أي من ظفائر شعر رأسها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا به من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
•فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حاطب ما هذا؟ فقال لا تعجل عليّ يا رسول الله إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش (أي كان حليفاً لقريش ولم يكن قرشياً) وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيه أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، ولم أفعله كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإِسلام وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وإن كتابي لا يغنى عنهم من الله شيئاً، وأن الله ناصرك عليهم.
• فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق. فقال عمر رضي الله عنه دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه شهد بدراً، وما يدريك لعل الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
• فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا} أي يا من صدقتم الله ورسوله {لا تتخذوا عدوي وعدوكم} من الكفار والمشركين {أولياء} أي أنصاراً {تلقون إليهم بالمودة} أي أسرار النبي صلى الله عليه وسلم الحربية ذات الخطر والشأن.
•والحال أنهم قد كفروا بما جاءكم من الحق الذي هو دين الإِسلام بعقائده وشرائعه وكتابه ورسوله. يخرجون الرسول وإياكم من دياركم بالمضايقة لكم حتى هاجرتم فارين بدينكم، أن تؤمنوا بربكم أي من أجل أن آمنتم بربكم. أمثل هؤلاء الكفرة الظلمة تتخذونهم أولياء تدلون إليهم بالمودة. إنه لخطأ جسيم ممن فعل هذا.
•وقوله تعالى: {إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي} أي إن كنتم خرجتم من دياركم مجاهدين في سبيلي أي لنصرة ديني ورسولي وأوليائي المؤمنين وطلبا لرضاي فلا تتخذوا الكافرين أولياء من دوني تلقون إليهم بالمودة.
•وقوله تعالى: {تسرون إليهم بالمودة} أي تخفون المودة إليهم بنقل أخبار الرسول السرية والحال أني {أعلم} منكم ومن غيركم {بما أخفيتم وما أعلنتم}.
وها قد أطلعت رسولي على رسالتكم المرفوعة إلى مشركي مكة والتى تتضمن فضح سر رسولي في عزمه على غزوهم مفاجأة لهم حتى يتمكن من فتح مكة بدون كثير إراقة دم وإزهاق أنفس.
وقوله تعالى: {ومن يفعله منكم} أي الولاء والمودة للمشركين فقد ضل سواء السبيل أي اخطأ وسط الطريق المأمون من الانحراف يريد جانب الإِسلام الصحيح.
فى ظلال الآيات*هذه السورة حلقة في سلسلة التربية الإيمانية والتنظيم الاجتماعي والدولة في المجتمع المدني . حلقة من تلك السلسلة الطويلة , أو من ذلك المنهج الإلهي المختار للجماعة المسلمة المختارة , التي ناط بها الله تحقيق منهجه الذي يريده للحياة الإنسانية , في صورة واقعية عملية , كيما يستقر في الأرض نظاما ذا معالم وحدود وشخصية مميزة ; تبلغ إليه البشرية أحيانا , وتقصر عنه أحيانا , ولكنها تبقى معلقة دائما بمحاولة بلوغه ; وتبقى أمامها صورة واقعية منه , تحققت يوما في هذه الأرض.
*أما الناس الذين ينشأ هذا التصور المتميز في نفوسهم فلم يكونوا بمعزل عن واقع الحياة ومضطرب الأحداث , بل كانوا يصهرون في بوتقة الحوادث يوما بعد يوم , ومرة بعد مرة , ويعاد صهرهم في الأمر الواحد والخلق الواحد مرات كثيرة , وتحت مؤثرات متنوعة ; لأن الله الذي خلق هذه النفوس يعلم أنها ليست كلها مما يتأثر ويستجيب ويتكيف ويستقر على ما تكيف به منذ اللمسة الأولى . وكان يعلم أن رواسب الماضي , وجواذب الميول الطبيعية , والضعف البشري , وملامسات الواقع , وتحكم الإلف والعادة , كلها قد تكون معوقات قوية تغلب عوامل التربية والتوجيه مرة بعد مرة . وتحتاج في مقاومتها إلى التذكير المتكرر , والصهر المتوالي . . فكانت الأحداث تتوالى كما هي منسوقة في قدر الله , وتتوالى الموعظة بها . والتحذير على ضوئها , والتوجيه بهديها , مرة بعد مرة .
*وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في يقظة دائمة وإلهام بصير , بالتقاط الأحداث والوقائع والمناسبات في كل فرصة , واستخدامها بحكمة بالغة في بناء هذه النفوس . والوحي والإلهام يؤيدانه ويسددانه حتى تصنع تلك الجماعة المختارة على عين الله . بتوفيق الله . على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
*هذه السورة حلقة في سلسلة ذلك الإعداد الطويل , تستهدف - مع غيرها مما جاء في مثل موضوعها - إقامة عالم رباني خالص في ضمير المسلم . عالم محوره الإيمان بالله وحده , يشد المسلمين إلى هذا المحور وحده , بعروة واحدة لا انفصام لها ; ويبرئ نفوسهم من كل عصبية أخرى . عصبية للقوم أو للجنس أو للأرض أو للعشيرة أو للقرابة . ليجعل في مكانها جميعا عقدة واحدة . هي عقدة الإيمان بالله . والوقوف تحت راية الله . في حزب الله .
*ودون إقامة هذا العالم تقف عقبات كثيرة - كانت في البيئة العربية وما تزال في العالم كله إلى اليوم - عقبات من التعصب للبيت , والتعصب للعشيرة , والتعصب للقوم , والتعصب للجنس , والتعصب للأرض . كما تقف عقبات أخرى من رغائب النفوس وأهواء القلوب , من الحرص والشح وحب الخير للذات , ومن الكبرياء الذاتية والالتواءات النفسية . . وألوان غيرها كثير من ذوات الصدور !
*وكان على الإسلام أن يعالج هذا كله في الجماعة التي يعدها لتحقيق منهج الله في الأرض في صورة عملية واقعة . وكانت هذه الصورة حلقة في سلسلة هذا العلاج الطويل .
*وكان بعض المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم وأهليهم في سبيل عقيدتهم , ما تزال نفوسهم مشدودة إلى بعض من خلفوا هنالك من ذرية وأزواج وذوي قربى . وعلى الرغم من كل ما ذاقوا من العنت والأذى في قريش فقد ظلت بعض النفوس تود لو وقعت بينهم وبين أهل مكة المحاسنة والمودة ; وأن لو انتهت هذه الخصومة القاسية التي تكلفهم قتال أهليهم وذوي قرابتهم , وتقطع ما بينهم وبينهم من صلات !
*وكان الله يريد استصفاء هذه النفوس واستخلاصها من كل هذه الوشائج , وتجريدها لدينه وعقيدته ومنهجه .وهو - سبحانه - يعلم ثقل الضغط الواقع عليها من الميول الطبيعية ورواسب الجاهلية جميعا - وكان العرب بطبيعتهم أشد الناس احتفالا بعصبية القبيلة والعشيرة والبيت - فكان يأخذهم يوما بعد يوم بعلاجه الناجع البالغ , بالأحداث وبالتعقيب على الأحداث , ليكون العلاج على مسرح الحوادث وليكون الطرق والحديد ساخن !
*ولوقوف قليلا أمام هذا الحادث وما دار بشأنه:
*أول ما يقف الإنسان أمامه هو فعلة حاطب , وهو المسلم المهاجر , وهو أحد الذين أطلعهم رسول الله [على سر الحملة . . وفيها ما يكشف عن منحنيات النفس البشرية العجيبة , وتعرض هذه النفس للحظات الضعف البشري مهما بلغ من كمالها وقوتها ; وأن لا عاصم إلا الله من هذه اللحظات فهو الذي يعين عليها .
*ثم يقف الإنسان مرة أخرى أمام عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لا يعجل حتى يسأل:" ما حملك على ما صنعت " في سعة صدر وعطف على لحظة الضعف الطارئة في نفس صاحبه , وإدراك ملهم بأن الرجل قد صدق , ومن ثم يكف الصحابة عنه:"
*صدق لا تقولوا إلا خيرا " . . ليعينه وينهضه من عثرته , فلا يطارده بها ولا يدع أحدا يطارده . بينما نجد الإيمان الجاد الحاسم الجازم في شدة عمر:"إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين . فدعني فلأضرب عنقه" . . فعمر - رضي الله عنه - إنما ينظر إلى العثرة ذاتها فيثور لها حسه الحاسم وإيمانه الجازم . أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فينظر إليها من خلال إدراكه الواسع الشامل للنفس البشرية على حقيقتها , ومن كل جوانبها , مع العطف الكريم الملهم الذي تنشئه المعرفة الكلية . في موقف المربي الكريم العطوف المتأني الناظر إلى جميع الملابسات والظروف . .
*ثم يقف الإنسان أمام كلمات حاطب , وهو في لحظة ضعفه , ولكن تصوره لقدر الله وللأسباب الأرضية هو التصور الإيماني الصحيح . . ذلك حين يقول:"أردت أن تكون لي عند القوم يد . . يدفع الله بها عن أهلي ومالي" . . فالله هو الذي يدفع , وهذه اليد لا تدفع بنفسها , إنما يدفع الله بها . ويؤكد هذا التصور في بقية حديثه وهو يقول:"وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع . . الله . . به عن أهله وماله" فهو الله حاضر في تصوره , وهو الذي يدفع لا العشيرة . إنما العشيرة أداة يدفع الله بها . .
_ولعل حس رسول الله الملهم قد راعى هذا التصور الصحيح الحي في قول الرجل , فكان هذا من أسباب قوله صلى الله عليه وسلم]:" صدق . لا تقولوا إلا خيرا " . .
*وأخيرا يقف الإنسان أمام تقدير الله في الحادث ; وهو أن يكون حاطب من القلة التي يعهد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسر الحملة . وأن تدركه لحظة الضعف البشري وهو من القلة المختارة . ثم يجري قدر الله بكف ضرر هذه اللحظة عن المسلمين . كأنما القصد هو كشفها فقط وعلاجها ! ثم لا يكون من الآخرين الذين لم يعهد إليهم بالسر اعتراض على ما وقع , ولا تنفج بالقول:ها هو ذا أحد من استودعوا السر خانوه , ولو أودعناه نحن ما بحنا به ! فلم يرد من هذا شيء . مما يدل على أدب المسلمين مع قيادتهم , وتواضعهم في الظن بأنفسهم , واعتبارهم بما حدث لأخيهم . . .
*والقرآن هنا يعالج حالة نفسية أوسع من حادث حاطب الذي تواترت به الروايات , بمناسبة وقوع هذا الحادث , على طريقة القرآن . عالج مشكلة الأواصر القريبة , والعصبيات الصغيرة , وحرص النفوس على مألوفاتها الموروثة ليخرج بها من هذا الضيق المحلي إلى الأفق العالمي الإنساني .
* لينشيء في هذه النفوس صورة جديدة , وقيما جديدة , وموازين جديدة , وفكرة جديدة عن الكون والحياة والإنسان , ووظيفة المؤمنين في الأرض , وغاية الوجود الإنساني .
0 - حرمة موالاة الكافرين بالنصرة والتأييد والمودة دون المسلمين.
من هداية الآيات
0- الذي ينقل أسرار المسلمين الحربية إلى الكافرين على خطر عظيم وإن صام وصلى.
0فضل أهل بدر وكرامتهم على الله عز وجل.
0- قبول عذر الصادقين الصالحين ذوى السبق في الإِسلام إذا عثر أحدهم اجتهاداً منه.
جزاكم الله خيراُ على طيب المتابعة
انشرى ليكن لكَ لاجر فالدال على الخير كفاعله
_______________________________
تفسير
تفسير ابن كثير [ تفسير القرآن العظيم ]
الجزائرى[ أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير]
[في ظلال القرآن الكريم سيد قطب]
الروابط المفضلة