السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نكمل القصة ...
وبعد أن ألقوه وقد أخلعوا قميصه
جلسوا يفكرون فيما سيقولون لأبيهم عندما يسألهم، فاتفقوا على أن يقولوا لأبيهم إن الذئب قد أكله،
فذبحوا شاة، ولطخوا بدمها قميص يُوسُف.
وفي الليل !
عادوا إلى أبيهم،
ولماذا العشاء ؟
لماذا لم يعودوا في العصر ؟
قيل: لئلا يرى أبوهم الدم بوضوح ، فيكتشف انه ليس بدم آدمي.
وقيل: ليتوهم أنهم تأخروا في مطاردة الذئب !
ولما دخلوا عليه بكوا بشدة، فنظر يعقوب إليهم ولم يجد فيهم يوسُف معهم،
ما أصعب هذا الموقف !
تخيلي أختي الحبيبة أن ابنكِ ذهب مع إخوانه للعب والسباق وهو أصغر أبناءك وعندما عادوا لم تجديه ؟
ما هو شعورك حينها ؟
وكيف سيكون حالكِ ومدى صبركِ؟
موقف لا يثبت فيه إلا أقوياء الإيمان وعظماء التوحيد الذين هم أهل الإيمان والتوحيد
فقد كانت كلمة لا إله إلا الله راسخة في قلوب الأنبياء رضوان الله عليهم
( قلوبهم مُعلقة بالله )
فأخبروه أنهم ذهبوا ليتسابقوا، وتركوا يوسُف ليحرس متاعهم، فجاء الذئب وأكله،
( قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ) يُوسُف -17
ثم أخرجوا قميصه ملطخًا بالدماء، ليكون دليلاً لهم على صدقهم.
فرأى يعقوب عليه السلام القميص سليمًا، حيث نسوا أن يمزقوه، فقال لهم:
عجبًا لهذا الذئب كان رحيمًا بيوسُف أكله دون أن يقطع ملابسه.
ثم قال لهم مبينًا كذبهم:
( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) يوسُف: 18.
فمن المنازل التي حققها الصالحون من عباد الله، منزلة الصبر؛ التي امتدحها الله تعالى في كتابه، وأمر بها
استدلت بها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حادثة الأفك كما في الحديث الطويل الثابت
في صحيح البخاري و مسلم
عن عائشة رضي الله عنه و مما جاء فيه :
قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلم ثم جلس قالت:
و لم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها
و قد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني قالت:
فتشهد رسول الله و سلم حين جلس ثم قال: أما بعد , يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا و كذا ,
فإن كنت بريئة فسيبرؤك الله
وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله و توبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه
ثم تاب إلى الله تاب الله عليه.
قالت: فلما قضى رسول الله مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي :
أجب رسول الله فيما قال , قال: و الله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله . فقلت لأمي:
أجيبي رسول الله قالت و الله ما أدري ما أقول لرسول الله قالت فقلت _ و أنا جارية حديثة السن
لا أقرأ كثيراً من القرآن_ :
إني و الله لقد سمعت هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم و صدقتم به, فلئن قلت لكم إني بريئة _
و الله يعلم أني منه بريئة_ لا تصدقوني بذلك
ولئن اعترفت لكم بأمر _ والله يعلم أني منه بريئة _ لتصدقني.
و الله ما أجد لكم مثلاً إلا قول أبي يوسُف (فصبر جميل و الله المستعان على ما يصفون)
صحيح البخاري و مسلم
فقد قال رسول الله : { الصبر ضياء } رواه مسلم
وقال: { من يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاءً خيراً من الصبر } متفق عليه
وقال: { عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له،
وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له } رواه مسلم.
قال ابن تيمية ، رحمه الله : الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه .
والصبر الجميل : هو الذي لا تظهر فيه الفقر والمسكنة إلا لله .
قيل لأحد العباد : ما هو الصبر الجميل ؟ قال : أن يقطع جسمك قطعة قطعة ، وأنت تبتسم.
وقال آخر : الصبر الجميل أن تبتلى ، وقلبك يقول : الحمد لله .
أعلمتم قيمة الصبر!
فليشمر المشمرون، للدخول في زمرة عباد الله المخلصين.. الأنبياء، والصديقين والشهداء والصالحين،
وحسن أولئك رفيقاً، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
الروابط المفضلة