الجــزء الأولـ من قصة يُوسُف
يقول سبحانه :
{ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رأيت أحد عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رأيتهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)
قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإنسان عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)
وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ
إبراهيم وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) } يوسف .
يصحو يوسف عليه السلام وهو غلام فيما يقارب العاشرة . جلس أمام أبيه ، وقال :
يا أبتاه !! إني رأيت البارحة أحد عشر كوكباً في السماء والشمس والقمر .
ولو يا غاليات سكت لما كان في القصة عجب ؛ لأن الكل يرى النجوم والكواكب والشمس والقمر!! ،
ولكن سر الرؤيا كان في الخاتمة { رأيتهُمْ لِي سَاجِدِينَ } يوسف: من الآية 4.
فزع يعقوب بهذه الرؤيا ، وعلم أن ابنه هذا سوف يكون له شأن أيما شأن ، وسوف يكون وارثه في النبوة .
فخاف أن يخبر إخوانه بهذه الرؤيا ، فيأتي الشيطان فيفسد ما بينهم وبينه. فقال:
( يا بني ) للتحبيب وهنا دليل على حسن توجيه يعقوب عليه السلام فقد جمع بين النهي والتعليل والتوجيه
وهذا غاية التربية مع الابن فليس أمر ونهي فقط .
كذلك حادثة النبي صلى الله عليه وسلم مع الحسن رضي الله عنه عندما أخذ منه تمره الصدقة قال له: كخ كخ
لم يكتفي بالنهي فقط بل زاد أما علمت أنا لا نأخذ الصدقة .. كأنه يخاطب رجل .
فقال أبو يوسف عليه السلام: { لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ } يوسف: من الآية 5
حذاري حذاري بني أن يسمعوا هذه القصة ، فلا تخبرهم أبداً أنك رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون لك .
ولكن يوسف عليه السلام نسي لصغره الوصية ، فأخبر بها إخوانه عندما جلس معهم .
ولذلك علمنا صلى الله عليه وسلم أن أحدنا إذا رأى رؤيا أن لا يقصها إلا على من يحب
كما في الحديث الذي أخرجه البخاري ، ومسلم عن أبي قتادة ، رضي الله عنه .
فثار الحقد والحسد في قلوب إخوانه ، وبدءوا يدبرون له المكايد .
فعلم يعقوب بأنهم علموا الرؤيا فتضايق وخاف منهم على أخيهم .
:
وهنا لنا وقفة:
أن على الأب أن يعدل بين أولاده ما أمكن وأنه لو كان أحد الأولاد يستحق مزيد عناية
فإن على الأب ألا يظهر ذلك قدر الإمكان حتى لا يوغر صدور الاخرين .
عن حصين عن عامر قال:
( سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول ثم أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة
لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني
أن أشهدك يا رسول الله قال:
أعطيت سائر ولدك مثل هذا قال لا قال فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم قال فرجع فرد عطيته )
رواه البخاري / باب الإشهاد في الهبة / ح 2447
وفيه فقه المرأة المسلمة إذ لم ترضي الظلم من زوجها حتي يقسم بالعدل بين ابنها وأبنائه من غيرها
وأيضاً من فوائد القصة أن كتم التحدث بالنعمة للمصلحه جائز و لذلك قال (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ )
مع إن الرؤيا نعمة هنا
( فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً ) إذاً لو كتم إنسان نعمة الله عليه و لم يفشها لئلا يتضرر من الحسد فهذا لا بأس به ،
وأما التحدث بالنعمة فيكون عند أمْن الحسد فيذكر الإنسان نعمة ربه عليه
ودل على ذلك من السنة [ استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان ، فإن كل ذي نعمة محسود ] .
( السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني/ ج 3 / ص 436 / ح 1453 ) .
وليكن ذلك بحيث لا تصل إلى درجة الوسوسة و الجبن الشديد من الحسد و من أقل شئ يتحدث به لأي أحد ،
فهناك من تصل درجة الخوف عنده مبلغاً شديداً فيكتم النعم ، بل ربما يتظاهر بالفاقة و بالضرر حتى لا يُحسد و هذا خطأ .
الروابط المفضلة