كانت ليلةً طويلةً عليها بعضَ الشيء, و لا عجبَ في ذلكَ فالمنتظرُ تطولُ الساعاتُ أمامَهُ و يُمضي وقتَهُ كما تَمضي السلحفاة في سيرها ...
جلستْ خلفَ النافذةِ تراقبُ قطراتِ المطرِ المتساقطةِ بغزراةٍ على الزجاجِ معلقةً عينيها في السماء, تعدُّ الغيومَ و تحصي الهموم , و صوتُ شهيقها و زفيرها وحدَهُ الذي يقاطعُ سكونَ تلكَ الليلةِ .
همساتٌ متصاعدةٌ في جوفها تلاعبُ الأحلامَ و تحاولُ مسحَ دموعٍ مختبئةٍ تذرفُ خلسةً من العيون.
تتساءلٌ بينها و بين نفسها كيفَ سيكونُ الغدُ؟ مالونُه و ما طعمه؟ شكلُهُ و ريحُه؟
كيفَ سيصمدُ الكوخُ أمام عاصفةٍ قويةٍ تقتلعُ الأشجارَ من جذورها؟
الألمُ يتجددُ لحظةً بلحظة لكنها تكابرُ و تكابدُ و تمسكُ بأذيالِ الكلامِ حتى لا يخرجَ من فمها رغماً عنها, إنها لا تريدُ أن يسمعَ أحدٌ صوتَ دوي انفجارِ ذاك البركان الصامت , لأنها تعلمُ يقيناً أنَّ الجرحَ لا يؤلمُ إلا من بهِ ألمُ.
في داخلها أملٌ يتحركُ بشدةٍ و هو يرسمُ أمامَ عينيها لوحةَ المستقبلِ, لوحةً تستشرفُ بها ما يعيدُ للماضي ألَقَهُ و بريقَهُ, ما يعيدُ أمجاداً سرقَتها عهودٌ من الضياع .
كانت تسمعُ صوتاً يناديها دائماً ,و كانت تجيبُ بصمتٍ مسكينٍ يُرثى لهُ , لكنْ اليوم تغيّرَ جَوابُها و تغيّرَت نظراتُها فتلكَ الليلة مصيريةٌ بالنسبة لها , ليلةٌ تنتظرُ فيها قدومَهُ على أحرِ من الجمرِ...
اليومَ قررت أن تبتسمَ رَغمَ كُلِّ العواصفِ المخيفةِ , رَغمَ كُلِّ الظروفِ ستبتسم..
لأنها اليومَ ستبني و تضعُ يدها في طريقِ إنجازِ وعدٍ قطعته على نفسها ...
و ما زال الوقتُ يمضي ببطءٍ و نارُ اللوعةِ و الجراحِ تعتصرها و تؤرقُ ليلتها السعيدة...
ألمٌ لا بدَّ منه حتى ترى النورَ الذي تنتظره ,,, ألمٌ محببٌ بلا شك.
لا شيء سوى ذكرِ اللهِ يعينها على الصبر .
طُرِقَ البابُ للمرةِ الأولى ,فاعتقدت أنها تتوهم فالتائه في الصحراء يرى السرابَ واحةَ ماءٍ عذب.
ظلت جالسةً مكانها و تتنهد فعادَ البابُ يُقرعَ من جديد و مرةً أخرى و أخرى و كأنَّ هناك من يطاردُ الطارقَ .
سارت ببطءٍ شديدٍ نحو البابِ تكابدُ ألامها و تترنحُ بكبرياء
سارت بكلِّ ما أوتيت من قوةٍ و هي تصارعُ الموتَ كفارس مغوار في ساحة باردةٍ مظلمة .
حتى وصلت أخيراً و فتحت البابَ .....و حينها سقطت كورقةٍ ذابلةٍ صفراء
و في سقوطها كان الشموخُ يتبختر في عينيها , تلقتها الأرضُ كما تضمُ الأمُ وليدها .
فمن عشقَ الأرضَ عشقته هي , و من أعطاها أعطته.
لا زالت في غيبوبتها حتى فتحت عينيها و استيقظت فنظرت عن يمينها لتجدَ من كانت تعاني من أجله , لتجدَ حُلمَ الماضي و عُرسَ الغدِ, نعم, لقد أصبحت أمَّ صلاح الدين.
ضمتهُ إليها و هي تتأملُ عينيه الصغيرتين كانتا تبرقان ببريقٍ يشرق كالشمس في ساحِ المسجدِ الأقصى , داعبت يداه فوجدت فيهما تلك القوة التي ستفتك باليهود و أعوانهم و كل ذنبٍ سارَ خلفهم .
و أخذت تؤذن في أذنيه الناعمتين فضحكَ لها و كأنَّه يطمئنها بأنَّ الفجرَ قادم .
فأغمضت عينيها مجدداً و هي تضمُ صلاحَ الدين بشدةٍ لتراه قد كبُر و تسمعُ صوتَهُ يلبي نداءَ الاقصى و يكبّرَ فيه و يثأرَ لوالده الذي سَقى بدَمِه الطاهرِ زهورَ غزةَ الإباء.
إنه يقودُ جيشَ الأبطالِ و يُمسكُ بيده لواءَ الحقِّ العظيم .
لن يطولَ الوقتُ كثيراً لكي يصبحَ الحلمُ حقيقة .
فالأيامُ ستمضي بسرعةٍ لأنها هي الأخرى تريدُ أن تَشهَدَ أيضاً في صفحاتِ التاريخ عن تلك الواقعة المباركة.
في ذكرى النكبة
تجددت تلك الأحلام
نسأل المولى سبحانه و تعالى
أن يجعلها لنا حقيقة
نكحل بها عيوننا قبل الرحيل ...
صحيح أن جراحنا مازالت تنزف
كل يوم العديد من الشهداء
لكن تبقى فلسطين في قلوبنا
حتى و نحن نمر بأصعب الأوقات
سامحينا يا فلسطين فقد تأخرنا عنكِ كثيراً
الروابط المفضلة