::
::
أحس بأن قلمي يرتعد ما بين أصابعي وقلبي يخفق بسرعة
وعقلي تزاحمه الأفكار من شدة هيبته ومن عظمة مواقفه
فهو أسد في المعارك وعم حنون مع إبن أخيه وصديق وفي لصديقه وأخ يبذل روحه من أجل أخيه
فكيف لايهابه قلمي وقلبي وعقلي
هو من ضرب في حب رسول الله أروع الأمثلة فأرسلها إليه تعابيراً وأعمالاً
ولم يكتفِ بالأقوال فقط في إثبات حبه لابن أخيه وأخيه في الرضاعة وصديق طفولته وصباه
فمن مثلك ياسيدي
فبالأمس كنت طفلاً راجحاً قوي العضلات تدافع عن صديقك الذي يصغرك بسنتين فتحنو
عليه وكأن مابينكما سنيناً طوالاً لا سنتين
هل يكمن السر في حليب رضعتماه سوياً فأصبحتما لحماً ودماً يخالطه الحنين والوفى المعهود بينكما ؟
أم يا ترى السر في كون المحبة بينكما لكونكما ابن أخ وعم ؟
زماني هو من يجعلني أتأثر بكما لهذا الحد فلا صداقة في وقتي مثل صداقتكما
ولا قرابة وصلة رحم مثل التي بينكما
فمن في هذا الزمان سيضحي بنفسه من أجل صديقه ؟
ومن سيقارع الأعداء بسيفين من أجل إبن أخيه ؟ ومن سيشوه جسده في هذا الوقت من أجل إعلاء راية الاسلام ؟؟؟
هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي (55 ق.هـ ـ 3 هـ)
وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخوه من الرضاعة
كان موصوفاً بالشجاعة والقوة والبأس حتى عُرف أنه أعز فتى في قريش وأشدهم شكيمة
يشارك في الحياة الاجتماعية مع سادة قومه في أنديتهم ومجتمعاتهم، ويهوى الصيد والقنص
كان ترباً لرسول الله وصديقاً له لذا كانت بذور الإسلام موجودة في نفسه
ولكن لم يعلن إسلامه إلا في السنة السادسة من البعثة إثر موقف غيرة وانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقد كان عائداً من الصيد مرة وبلغه أن أبا جهل بن هشام المخزومي لقي النبي صلى الله عليه وسلم عند الكعبة فتعرض له بما يكره وسبّه سباً قبيحاً وآذاه
فغضب وأقبل على أبي جهل بعد أن طاف بالبيت، وضربه على رأسه بقوسه فشجّه شجة منكرة، وقال:
( أتشتمه وأنا على دينه، أقول ما يقول، فاردد علي إن استطعت )
ثم مضى إلى رسول الله في دار الأرقم وأعلن إسلامه، ففرح به الرسول عليه السلام والمسلمون فرحاً كبيراً، وعز جانبهم بإسلامه،
ولما أسلم عمر بن الخطاب بعده بفترة وجيزة، خرج المسلمون من دار أبي الأرقم بقيادة حمزة وعمر الفاروق وهم يكبرون ويهللون جهاراً نهاراً.
استشهاده
استشهد حمزه بن عبد المطلب في معركة أحد .
قصة وفاته
قتله وحشي الحبشي، ولقتله قصة ذكرها وحشي حيث كان غلاماً لجبير بن مطعم
وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر
فلما سارت قريش إلى أحد، قال جبير لوحشي (إن قتلت حمزه عم محمد، فأنت عتيق)
فخرج وحشي مع الناس، وكان رجلاً حبشياً يقذف بالحربة قذف الحبشة، قلما يخطئ
قال وحشي: ( والله إني لأنظر إلى حمزه يهد الناس بسيفه ما يبقي به شيئاً مثل الجمل الأورق )
إذ تقدمني إليه سبّاع بن عبد العزى، فقال له حمزة :
هلمّ إليّ يا ابن مقطعة البظور، فضربه ضربة فقتله، وهززت حربتي
حتى إذا رضيت منها دفعتها إليه فوقعت في أسفل بطنه، حتى خرجت من بين رجليه وقضت عليه.
هي الأقدار نرصدها بلا حول ولا قوة ونحمد الله على كل حال
( عفى الله عنك يا وحشي )
هي كلمات قالها رسول الله له بعد إسلامه
ولكني أتساءل كيف سيواجه وحشي سيد الشهداء يوم لا حقد ولا كره
ولكن الخيال والحزن هما من يدفعاني للتساؤل ، فعفى عنك يا وحشي من تجلى برحمته
التمثيل بجثته
ثم إن نسوة من قريش ومنهن هند بنت عتبة التي قُتل أبوها وأخوها في معركة بدر مثّلن في جثته وبقرن بطنه
ولاكت هند كبده فلم تستسغه فلفظته
رضي ربي عنك يا حمزة
يمس جلدك الطاهر من مجموعة نسوة يفقدن معاني الأنوثة التي فطرن عليها
فيتحولن إلى ضباع تبحث عن جثث لتنهش لحمها وتشوه أجسادها الطاهرة من أجل أحقاد دفينة
ويخرجن كبدك النقي الذي حملت خلاياه محبة رسول الله والاسلام
ألا خسئت قلوب الضباع منذ أن خلق الله الأرض إلى أن يبعث من فيها
أثر وفاته
لما وقف عليه رسول صلى الله عليه وسلم ورآه قتيلاً بكى
فلما رأى ما مُثِّل به شهق وقال (رحمك الله أي عم، فلقد كنت وصولاً للرحم فعولاً للخيرات)
وقال أيضاً (لن أصاب بمثلك أبداً، ما وقفت موقفاً أغيظ إليَّ من هذا)
ثم قال:
(لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع)
ثم أمر بالقتلى، فجعل يصلي عليهم بسبع تكبيرات ويرفعون ويترك حمزة
ثم يُجاء بسبعة فيكبر عليهم سبعاً حتى فرغ منهم، وقال بحقه (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب).
وكان استشهاد حمزة رضي الله عنه في منتصف شهر شوال سنة 3 هـ (624م) وله من العمر نحو (58سنة)
ثم أمر رسول صلى الله عليه وسلم بحمزة رضي الله عنه فدفن في موقع المعركة في بطن جبل أحد
ودفن معه ابن أخته عبد الله بن جحش وقبرهما معروف حتى اليوم وتسمى المنطقة منطقة سيد الشهداء
ولما رجع رسول صلى الله عليه وسلم من أحد إلى المدينة سمع بعض نساء الأنصار يبكين شهداءهن، فقال
: (لكن حمزه لا بواكي له)
فاجتمع نساء وبكين حمزه ولما أطلن البكاء قال عليه السلام: (مروهنّ لا يبكين على هالك بعد اليوم).
وكانت السيدة فاطمة الزهراء تأتي قبر حمزه ترمه وتصلحه .
ختاماً
دموع العين أغشتني على زمان فات ولن يعود ناسه وأصحابه
كثر الجفاء في زماني يارسول الله وجئت إليك يا الله أشكو النفوس المعتمة
فلا حمزة بيننا ولا عمر ولا علي
وأين منا الصديق وابن الوليد وابن عبدا لعزيز ؟
هل العيب فينا ؟ أم أن الزمان تغير فرضعنا من صدور امهاتنا حقداً وكرهاً فصار القتل والتشويه للأجساد فناً ؟
فبالأمس ياعماه شيعنا جثامين شباب من وطني قتلوا بقذف الرصاص الحي لا بالخنجر المسموم أو الرمح
ومن الإسلام قاتلهم يمس كتاب الله ويصلي ويشهد أن لا إله الا الله وأن إبن أخيك رسول الله
فكيف استقبلتهم بالأمس بأي أسى ؟
وما موقف رسول الله حين يرى الأرض قد أسقت جذور الشجر دموعاً وصار قطافها حزناً ويأساً
فلا حولا ولاقوة إلا بك يا الله
ولا أملك إلا عزائي لنفسي ولكل من فقد عزيزاً بأن شهداءنا أحياء عند ربهم يرزقون وأن لهم سيداً يستقبلهم ويسامرهم ويحكي لهم
فينتظرون يوم اجتماعنا بهم
فكم من أم صار الصبر مؤنسها وكم من قلب صار الشوق مكمنه
فلا تحزن رسول الله على دنيانا التي أغرت عقول الناس بالأموال والشهوات
فلا بد من نصر على الظلم ولا بد أن تسقى جذور الأرض من ينابيع تنبت في الدنيا قطوفاً خضر بلا حزن ولا يأس
ولا بد لحمزة من عودة ولا بد للأسد من وثبة
فيا رباه أعد لنا حمزة والفاروق والصديق وذا النورين وعلياً
فأسودنا في الأرض اغتيلت بغدر القصف والبارود
رضي ربي عن الصحابة أجمعين
الروابط المفضلة