.
.
كَان هُنا منزلْ ، بأبوابهْ الخَـشبية المُتهالكَة !
و جُدرانهِ المُتشَقِّقه البَالية .. طِلاءٌ عفـا عليه الدّهر ، فأصبحَ لوحةً تموّج هُوَ فيها و -الإسمنتْ- !
فباتَ لا يُغادرهُ القِـدَمْ .
كَان هُنا مرفأ للقُلوب الظَمِئة ، يُضنيها الشوق .. فتَتَكبدُ العَناء لتحاول -فقط- التّقربَ منه ،فلا تفعل !
كَان هُنا شيءٌ من التراب المُبتل ، يحمل اثر تحركات أطفال هُم كالزهرات ..
و خُطىً غَابت الشمسُ دونَ أن تُنير دربها ، لتعاوِدَ المسيرَ حين صَباحٍ ، لمْ يأتي .
كَان هُنا صوت ، لصدىً .. لعمر خاوٍ ، مليء بالصَّخب المُتذبذب .
حِكاياتٌ يتلوها الليل عَلى مَسامِع عَامود نورٍ عجُوز ، كان قد انحنى ظهره ، و تعرّق جلده ..
ثم تصدّأ ، لكنه صامِتْ ! ..بلا ضَجيج ، بلا تَذمّر ، و بلا أجرْ .
ضَوؤهُ الأصفر ، يَضيء حَنايا الأرض .. و تُقيمُ الحشرات مأدبة خاصّةً فيهم تحتَ ظلهِ .
فيبدو كَـمأوى ، بلا أنْس .. أمل ، و لا بقاء حتى .
كَان هُنا وقعُ أنفاس ، لنوافذ فُتحت و لم تُغلق .. لتَهبَ الرياح محملةً بالحنين ، وشيء من السّلام !
فتُصبح الأرجاءُ باردة ، لمشاعرَ لبت نداءَ هجر ، بلا معُونة لقلبٍ بائسْ .. لَمْلَمَتْ أشياءها الذابلة ، و ابتعدت .
كَان هُنا بساط ، حاكَ حكايةً ظلّلها المَطر .. نَقش عباراتها ندى كان على أسقف منازلَ من طينْ ..
ذابت تحتَ وطأة دموع السّماء .
كَانت هُنا أرض ، لبساط .. لمرفئ ، لأنفاس .. لصوت و صدى فـعمر ..
كَانت هُنا أرض ، لمنزل .. لجدرانٍ وسّختها أحلامُ طفلة ، و لعب صَـبيّ !
كَانت هُنا أرض ، عامرة بالحنان ، لمشاعر أبوية ، غادرتها ذات يوم .. لتغادرنا ، بذاتِ الوقع المؤلم .
كَانت هُنا أرض ، لعبَ بها الزمان ، الأحوال .. ففاز كلامها بجولةٍ له .
كَان لتلكَ الأرض ، طمأنينَة .. كَيان حكاية ألفناها .. كَان لها بقاع مألوفة ، و رذاذُ بهجةٍ و فقدْ .
كَان بين ثناياها رُوحْ ، اعتادت الرحيل .. و غابت .. ثمّ لم تُرى !
كَان لتلكَ الأرض ، ذكريَات ابتلعَتها الأيام .. فأصبحت رثاءً غضاً لأرواحنا ، كَان هناكَ أنفاس وُلدتْ لتعمِّرَ حنايا البيتْ ..
و صوتُ عويل لأمٍ أضناها الشوق ، فألفها و ألفته .. كَانتْ هناك حَياة ، بحلوها و مُرها .
ببكائها ، بصداها .. بجنونها .. و رحيلها .
كَانت هُنا أرض ، امتدتْ بنا ، غرسنا بينَها جُذورنا .. طَرقنا أبواباً لخطواتٍ تبَعثرت ذاتَ يوم ، ربما وصلت لضالتِها ، أو لم تفعل !
كَان هنا أرض ، عشناها .. بحذافيرها ، لحظاتِها ، طرقاتها .. و زواياها الضيقة .
هنا أرض .. جمعتنا ، حتى لا نتفرق .. هُنا أرض ، امتلأت بصفاء أرواحنا ..
هُنا أرض .. أوجعها الفراق كما أوجعنا .. سئمت الحزنَ و تباهت بتماسكها ، كما نحن !
هُنا أرض ذاتَ رحيلٍ موجع ، لها سوطٌ حارق ..
هُنا ابتسامة فقد .. هُنا عَبرةٌ ساخنة ، و جفاف رُوحْ .
هُنا أرض ، جفّت تُرابها .. غفت مسالكها ، أزقتها .. جدرانها ، مُحتَ خطواتها ..
و هُناك أرض .. غادرتنا ، و غابتْ .
.
.
كَان لي ذاتَ يومٍ أرض ،
فــعَفتْ !
الروابط المفضلة