أصوات اللغة:
وهي ما يسمى ( دلالة الصوت على المعنى ) فمخارج حروف الكلمات العربية وترتيب هذه الحروف في النطق يدل على معنى الكلمة فمثلا: كلمة القهقهة، الشخير، التأوه، الوشوشة، الوسوسة .. كلها ألفاظ تدل على معانيها، كذلك بعض الكلمات مثل: رفرفة الطيور تدل ترتيب حروفها على الفعل الرتيب المتتابع، ولنأخذ أمثلة على ذلك من القرآن مثلاً: قوله تعالى : { ُلَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ } جرس حروف { لنسفعن } يشعرك بالألم السريع ومعناها لنأخذنه بشدة، ولكن جرس حروفها جعل وقعها في النفس أشد أثراً ومثلها كلمة { َالصَّاخَّةُ } تشعر كأنها صرخة في الأذن لها وقع رهيب على النفس أقوى من قولنا يوم القيامة أو يوم الدين؛ حيث ذكرت في مقام ترهيب وليس في مقام كلام إخباري فقط .
كذلك الحرفين: ( لا – لن ) فإن من خواص ( لن ) أنها تنفي القريب ولا يمتد معنى النفي فيها مثل: ( لا )، أما ( لا ) فإنها تدل على وقت أبعد بكثير من وقت ( لن ) وهذا المعنى ظاهر من جرس وصوته فإنه يمتد إلى ما شاء الله حتى يقطعه ضيق النفس، لذلك امتد معناها؛ لنتأمل قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} فالله سبحانه وتعالى يخبرنا أننا لن ننال البر، ولكن ليس دائما وأبدا، بل إذا أنفقنا مما نحب فسوف نناله بإذن الله.
تأملي سورة الكافرون وكيف تكررت فيها ( لا ) عدة مرات لأن هذا الحرف يوحي بالانفصال الذي لا يرجى معه اتصال خصوصا بعد التكرار والتوكيد فهو افتراق لا التقاء معه، واختلاف لا تشابه فيه، افتراق ممتد دائما وأبدا في جميع الظروف والأحوال .

المشترك اللفظي:
أي أن الكلمة الواحدة تدل على عدة معاني، ولكن أحد المعنيين دلالته مباشرة والآخر دلالته متطورة أي لوجود شبه بين المعنيين، مثل كلمة ( عين ) لها عدة معاني منها: العين المبصرة، عين الماء، عين المال، العين: الجاسوس، عين الشيء نفسه.
كل هذه دلالات مختلفة للفظ واحد مشترك بين كل هذه الدلالات كلها، وهذه الخاصية من خصائص اللغة العربية هي التي فتحت باب التورية وهو: أن يقول القائل كلاما يحتمل معنيين أحدهما في نفس القائل والآخر في نفس السامع مثال ذلك :
*ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان سائرا بين أصحابه يريد بدرا وكان عليه السلام يحرص على السرية في العمل حتى لا تعلم قريش بذلك فتستعد للحرب فلقيهم أعرابي فسألهم : ممن القوم ؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم موريا وصادقا :
( نحن من ماء ) فأخذ الرجل يفكر ويقول : من ماء .. من ماء ليتذكر أي قبائل العرب يقال لها من ماء ، وإنما كان قصده صلى الله عليه وسلم {َوَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}*.

المترادفات:
وهي أن يكون المسمى واحد والأسماء كثيرة ولكن هناك فوارق دقيقة بين كل اسم وآخر لا يعرفها إلا المتمرس في اللغة مثل كلمتي: جلس وقعد؛ فكلاهما تطلقان على الشخص وهو في وضعية الجلوس ولكن بحسب حاله قبلها، فإن كان قبلها نائما نقول: جلس، وإن كان قبلها قائما نقول: قعد.
والمترادفات كثيرة في اللغة العربية حتى أن العلماء ألفوا فيها مؤلفات ضخمة، وعلى سعة هذه المفردات إلا أن اللغة العربية تعبر عن معان كثيرة بألفاظ قليلة ذلك أن تعدد المفردات أعطاها الحرية في انتقاء اللفظ المعبر عن المعنى الموجود في النفس، مثال ذلك من القرآن الكريم كلمتي ( العباد – العبيد ) فقد وردت كلمة ( عباد ) حوالي مائة مرة في سياق وصف المؤمنين منها قوله تعالى: {َوَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} أما كلمة ( العبيد ) فهي تطلق على العصاة والكفار، يقول تعالى: { مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}. كذلك كلمتي ( جسد – جسم ) كلاهما تطلقان على البدن ولكن الفرق بينهما أن ( جسم ) تطلق على البدن الحي يقول تعالى:
{ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ }. أما ( جسد ) فتطلق على البدن وهو جثة هامدة قال تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ }. وهي ظاهرة موجودة في اللغة العربية فقط لا غير ويقصد بها الكلمات التي تؤدي المعنى وعكسه أي معنيين متضادين في لفظ واحد، مثال ذلك: كلمة ( وراء ) فهي تعني ( خلف – أمام ) فقد جاء معناها ( خلف ) في قوله تعالى: { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ }، أما معنى
( أمام ) فقد قال تعالى : { وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا } أي : وكان أمامهم هذا الملك الجبار.
ونحن في الحياة العادية نقول: ورائي الكثير من العمل، ونحن نقصد بذلك أمامي الكثير من العمل، إذ لو كانت ورائي لكنت قد انتهيت منها وإنما هي أمامي.
كذلك كلمة ( التعزير ) تدل على التعظيم كما في قوله تعالى: {َلِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } كما تدل على التعنيف والتأنيب كقولنا: الأحكام التعزيرية أي: التأديبية ...


هذه بعض أسرار لغتنا ( لغة القرآن ) ..
وتحياتي للجميع