جلست كعادتي كل ليلة أنتظر أن يسطو علي سلطان الوسن والنوم.. فكرت في أمور كثيرة لأستجلب النوم إلى عيني المرهقتين.. تقلبت يميناً وشمالاً.. وبدون مقدمات.. سرى إلى خاطري تلك الذكرى الرائعة التي نُقِشت على جدران فؤادي..
تذكرت طفولتي الجميلة التي عشتها مع والدي الحبيب –يرحمه الله-.. تراءى في ناظري صورتي وأنا ألعب أمام منزلنا القديم.. تذكرت صورتي المضحكة التي التقطها لي أخي وأنا أبكي.. تذكرت رسالتي التي لم تصل.. أما رسالتي تلك، فلها قصة رائعة كروعة تلك الأيام الماضية..
عندما كنت أقضي إجازتي الأخيرة في السعودية؛ كنت أبحث عن أي شيء يتعلق بي وبأبي وتلك الأيام الزاهرة.. وجدت حقيبة كان والدي يحتفظ فيها بوريقات ومذكرات خاصة به، لم نشأ أن نلقي بها في المخزن.. بل كانت أمام أعيننا دائماً.. فتحت تلك الحقيبة وبدأت أقلّب الأوراق والملفات التي بداخلها بعناية تامة.. فقد مضى عليها عشرات السنين.. كل ما تتوقعه تجده داخل تلك الحقيبة؛ فواتير ماء وكهرباء وهواتف، دفاتر قديمة ورسائل لأصدقاء أبي وأخوته.. صوره مع أعزّ أصدقائه، حتى جوازات سفره وجدته هناك.. وبينما كنت أقلب بعض الرسائل، وجدت رسالة كانت مختومة باسمي.. فتحتها.. لم أكن أتخيل ما فيها.. كانت لرسم رسمته وعمري خمس سنوات!! كانت مشاركة مني لإحدى مجلات الأطفال، ولكن يبدو أن والدي نسي إرسالها تلك الأيام..
تأملت الرسم.. وتأملت العنوان.. عنوان بريدنا القديم.. تذكرت جُلّ معالم حيينا القديم والأحياء المؤدية إليه.. شوارعه التي شهدت أجمل أيام حياتي.. محلاته والدكاكين التي كنت أبتاع منها الحلويات وكل ما أشتهيه، كلما مررنا من ذلك المكان.. كنت أضحك بصدق من رسمي الطفولي.. وفي غمرة تلك الضحكات؛ كادت دموعي الحزينة تتناثر على خدي.. كنت أبكي ويبكي قلبي حزناً على فراق أبي الحبيب.. كنت دائماً أحاول أن أبدو متماسكة كعادتي أمام والدتي وأخوتي والصغار. أعدت رسالتي داخل المظروف ووضعتها في حقيبتي..
كنت أتمنى أن آخذ كل شيء يخص والدي معي.. لكنني لم أستطع أن أُبعدها عن مكانها الأصلي.. عن الأرض التي عشت فيها سنين جميلة من حياتي.. وكل ما أعجبني.. رسالتي التي لم تصل..
صدى
24-12-2001
الروابط المفضلة