بعض النَّاس إذا نُبِّـه إلى خطأ في ألفاظه دَرَجَ على لسانِهِ ، وتعود على قوله ؛ يحتجُ بقوله : " أهم شيءٍ سلامة القلب ، وأنا لم أقصد الخطأ " .
وقوله هذا فيه حقٌّ ، وذلك أنَّ حُسْنَ النيـة ، وسـلامة الصدر ، وعدم قصد الوقوع في الخطأ ، وعدم تعمد العصيان ، كلُّ ذلك أمورٌ مهمة ، بل إنَّ العمل الصالح لا يُقبل إلاَّ بها ، ولكنها لا تُصَيّر الخطأ صواباً ، ولا تجعل الوقوعَ فيما نهى عنه الشارع الحكيم حسناً ، ولا تُهَوّن من شأن الوقوعِ في الخطأ ، بل يظلُ الخطأُ خطأً ، وحُسْنُ النية لا يُعفي المسلم من تبعات ما يتلفظ به من أخطاء ، خاصة إذا كانت أخطاء تتعلق بالعقيدة .
ولا يمكن أن يقال للمسلم : أَطلق لسانك كيف شئت ، فإنَّ ذلك لا يضيرك مادامت نيتك حسنة ، بل لا بدَّ أن تكون ألفاظ المسلم سالمة من الخطأ .
وإن الناظر في كتاب الله تعالى ، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يجد النهي عن الوقوع في بعض الألفاظ الموهمة ، خشية أن تُفهم خطأ ، أو يكون فيها مشابهة لمن يتعمدون الخطأ ، أو قد تؤدي إلى لفظ خاطئ ؛ فكيف بالتلفظ بألفاظ ظاهرها الخطأ ؟ لا شك أنَّها تكون حينئذ أولى بالمنع !
قال الله تعالى:- (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انْظُرْنَا وَاسْمَعُواْ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) .
فهذا الله تعالى ينهى الصحابة رضي الله عنهم عن أن يقولوا لرسوله صلى الله عليه وسلم : راعنا ! وهم يقصدون بها قصداً حسناً ؛ وهو : أن يراعيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلتفت إليهم ليفهموا عنه ، ولكن لَمَّا كانت يهود تقولها ،وتقصد بها (( الرعونة )) نهى الله تعالى المؤمنين عن هذا القول خشية مشابهة يهود في قولهم الخبيث .
قال القرطبي ـ رحمه الله ـ في تفسيره : " في الآية دليلان : أحدهما ـ على تجنب الألفاظ المحتملة … الثاني : التمسك بسدِّ الذرائع وحمايتها ، وقد دلَّ على ذلك الكتاب والسنة…وقوله تعالى:- (( وَقُولُواْ انْظُرْنَا )) أي : أَقْبِلْ علينا ، وانظر إلينا ؛ على وجه الإجلال حال مخاطبته صلى الله عليه وسلم" . انتهى باختصار .
نسأل الله تعالى التوفيق والسداد في القول والعمل .
بقلم : أحمد الحمدان
الروابط المفضلة