هذا الجمع الغفير من الناس الذين يشكلون صفاً طويلاً يلتوي مع جدران مبنى شركة الكهرباء
كانوا يقفون صامتين يبحثون عن دفءٍ مفقود في جو رمادي بارد
و هم يحسدون موظفي الشركة الذي يحتسون الشاي الساخن .. فيما راحت أصابعهم تتراقص فوق أزرار الآلات الحاسبة .. و تودع في الخزائن أموالاً يسيل لها لعاب الكثيرين .. أمثالي
كوَرت قبضتي و نفختُ فيها علَِي أبعث شيئاً من الدفء
فيما كانت يدي الأخرى تمسك الفاتورة و ورقة مالية تكفي لتسديد فاتورتين معاً
سحب الرجل الواقف أمامي يده من جيب بنطاله ليشعل سيجارة
تأملتُ منظر جيبه الذي برزت منه تلك الورقة النقدية
لم أعرف لماذا تسارعت دقات قلبي و راحت عيناي تبحث عمن ينظر نحوي
" عيب .. أنت رجل كبير و متعلم و تفكر مثل هذا التفكير ؟؟ "
بدأتُ أشعر أن سياط إغراءات ذلك المبلغ يلهب ظهر يدي
" فكر .. فكر فيما سيحدث لو تنبه الواقف أمامك لما ستفعله ؟؟ "
كنتُ واثقاً تماماً من نفسي .. ثم أن هذا الرجل يبدو مترفاً و "ابن نعمة"
و أنا لا أزال ألهث خلف الأسعار الصاعدة بقوة
" و كم يا ترى سيفيدك هذا المبلغ ؟؟ يوم ؟ يومين ؟ "
لا يهم كم سيفيدني
ثم إن المثل يقول "حصوة تسند جرة"
حرارة الجو تزداد و الكآبة ترتدي لونها الصدئ الممل
تقدم الطابور خطوات أخرى .. اقتربتُ من الرجل بهدوء .. مددتُ يدي بخفة .. لكنها توقفت برهة
" أنت رجل فقير .. و لكنك مستور و عزة نفسك يجب أن تمنعك !! "
و هل بقي في هذا الوقت عزة نفس ؟؟
لم أدر لماذا ابتسمت و أنا أنظر حولي
كانت عيون الواقفين تتجه نحو الموظف المحاسب في الوقت الذي تسللت فيه أصابعي لتسحب تلك الورقة النقدية ثم تخفيها سريعاً في جيب سترتي
تسارعت أنفاسي بشكل عجيب .. و بدت دقات قلبي كطبول حرب يسمعها كل الواقفين
أصبح الجو حاراً جداً .. فيما كان جبيني يتصبب عرقاً بارداً
" يا أخ .. فاتورتك لو سمحت !! "
مددتُ يدي من خلال الفتحة الزجاجية لأعطيه الفاتورة و المبلغ
توقفت يدي في منتصف الطريق
لم يكن بين أصابعي سوى فاتورة بيضاء فقط
و عيون طابور طويل يراقبني .. و امرأة عجوز تقف خلفي منتظرة دورها
--
البرازيل ما رح تاخد كأس العالم
Mido
June 2006
الروابط المفضلة