أشرقت الشمس في ربوع سربرنيتشا الجميلة الخضراء ذات الطبيعه الخلابة , و الجبال الشاهقة , لتعلن ذكرى صباح يومِ حزين ,
جلس مصطفى متثاقلا على سريره , و وضع رأسه بشعره الذهبي بين كفيه ليفرك رأسه حتى يستيقظ ثم إلتفت للسرير الذي بجانبه و نادى : علي ...علي ...هيا إلى المدرسة .
علي : أنا جائع .
مصطفى : قل صباح الخير يا أخي !
علي : صباح الخيريا أخي ..أنا جائع .
إبتسم مصطفى و قال : هيا إغسل وجهك يا خفيف الظل لنذهب إلى المدرسة .
طرقات الباب جعلت علي يبتسم و يقول : جاء الطعام .
فتح علي الباب و قال : صباح الخير أيتها المتنقبة البوسنية , هل تعلمي أحسك أحيانا كفارس يأتي بوقت مناسب لينقظ البطل .........
كانت بالباب إمرأة متلثمة بجسد هزيل تحمل سلة خبز ساخن تفوح رائحته الشهية في كل مكان و صحن مليء بالعسل البوسني اللذيذ , لم تكترث تلك المرأة بمزاح علي إنما مدت السلة ليلتقطها علي الثرثار , و بدأت تسترق النظر علّها ترى مصطفى الذي كان يغسل وجهه بالماء البارد, أطفأ صنبور الماء و أمسك المنشفة و نظر لها و قال بإبتسامة صافية : شكرا لك يا أختنا , والله لا ننسى صنيعك أبدا .
إنسحبت المرأة بهدوء .
علي مازحا : إنها لا تكترث بأحد إلا بك , أخبرني كيف سحرتها إن عيناها الزرقاءالجميلة ,دائما تبحث عنك .
مصطفى : غًض بصرك في المرة القادمة لو سمحت .
علي : لن يتركني معلم التربية الإسلامية , لا تغير الموضوع , لم لا تتزوجها .
مشى مصطفى بخطوات بطيئة في الكوخ المتواضع و نظر من خلال النافذة , و قال : ما زلت آمل ... أن ألتقي بمارية .
قال علي : إبقى بأحلامك إذن .
في الفصل بدأ مصطفى حصته قائلا : اليوم يا أبنائي ذكرى أليمة تمر بنا هنا في سربرنيتشا شمال شرق البوسنة لأبشع جريمة من جرائم التاريخ لقد إرتكبت القوات الصربية مجزرة حصدت 7000 من أهلنا
في عام 1995 .
إبراهيم : أجل يا أستاذ لقد مات أبي الذي لم أراه فيها .
عبد العزيز :و أنا مات خالي فيها ...
الكلمات تناثرت من أفواه الأطفال ...هذا يقول مات عمي فيها ...و ذاك يقول ..مات خالي ...و ذاك يقول مات إثنان من أفراد عائلتنا و ذاك قال أربعه .
مرّ أسبوع ..
الساعة الآن الحادية عشرة ليلا و لم يعد مصطفي للمنزل , طرقات على الباب ضعيفة تخترق الصمت , فتح علي الباب ...كان مصطفى , كانت ملابسه متسخة بالتراب , يمسك حقيبة صغيرة ...مشى خطوات يائسة ...رمى الحقيبة على الأرض ...و رمى نفسه على السرير
علي : سامحك الله ألم أنصحك بعدم الذهاب إلى بلييشيفا , ماذا تريد أن ترى مقبرة جماعية ! و رفاة عظام !
مصطفى : لقد رأيت قطعة من ملابس مارية .
و أجهش بالبكاء .
علي ذرف دموعه و قال : أما أنا فلن أذهب إلى هناك لأبحث عن جثة أبي و أخي الكبير ...إدعوا لزوجتك بالرحمة يا مصطفى , و قل الحمد لله أنها مع الشهداء , و ليست من البوسنيات اللاتي إغتصبهن جنود الصرب , و قتلوهن.....كزوجتي .
نظر مصطفى بكل أسى إلى صديقه و قال : سامحني يا علي ...كنت دائما أنانيا أنظر إلى مصيبتي و نسيت الآخرين .
إستلقى على سريره و غطى نفسه ليخفي بكائه المرير .
في اليوم التالي طرقات الباب أيقظت علي ..توجه إلى الباب ليفتحه كانت البكماء البوسنية , لكن علي لم يستقبلها بمزاح كعادته , أما هي كعادتها كانت تسترق النظر لتطمئن على مصطفى , إبتسم علي إبتسامة صفراء و قال : دعيه ...لقد تأكد أن زوجته قد ماتت أمس .
إتسعت حدقة عيناها الزرقاء الصافية ..و ذرفة دمعه ..كانت تشبه لؤلؤة تزين وجهها الملثم .
و مرّت شهور
الساعة الأن الواحدة بعد منتصف الليل كان مصطفى يجلس على مكتبه البسيط جدا و سحب درجا من بين أدراجه .من بين الورق صورة فتاة جميلة و جسد ممتلئ ترتدي حجابا ملوننا زاد من جمالها فجعلها كحورية بين الزهور.
و بدأ يتمتم : سامحيني يا ماريتي الحبيبة , لقد قررت الزواج من تلك المرأة المتلثمة , لكنك في قلبي دائما يا حبيبتي و لن أنساكِ , كم أتمنى أن أنجب طفلة جميلة مثلك و أسميها ...مارية .
في الصباح الباكر خرج مصطفى باكر ينتظر المرأة المتلثمة أما علي قال ساخرا : هل قررت أن تفاتحها , أخيرا رأيت الإبتسامة ترتسم على وجهك , هل إستحميت في الصباح الباكر ؟ أظن مرت عليك سنه لم تستحم فيها , هل ....
مصطفى : هل تعلم يا علي , إذا قبلت بي سأكون سعيدا لأني حينها سأتخلص من تعليقاتك .
علي : عندها ستعيش دهرا بدون أن تبتسم .
إبتسم مصطفى و قال : كفي الآن يا رفيقي .
كانت الملثمة البوسنيه أعلى التل تحمل سلتها ...
أما مصطفى كان يصعد التله ليعاونها و يبتسم ...
و فجأة ....
ركضت بسرعة و رمت السلة و دفعت مصطفى بقوة , و صوت إنفجار قوي , كانت المرأة تمنع مصطفى من لغم أرضي ,
كشف وجهه المرأة البوسنية , و صرخ مصطفى صرخة مدوية :
لاااااااااااااااااااا
غدا تسمعون البقية
الروابط المفضلة