إحدى الأعـراف البالية والتي دعوت الله من أعمق أعماق المنطقة السوداء -كسواد صفحات أعمالي- في قعر قلبي فنائها هي أن كل من تكون أصغر من سني الحالي ضمن عائلتنا الموقرة فلا بد أنها "" أجادت - بفعلٍ ماضِ - فن القرف"" .. ولا شك ولا ريب ولا ضلال في أن من لم تفهم جملتي الأخيرة .. فإنها من ضمن اللواتي لم ينعم الله عليهن بالنوح كل يوم بفعل ذرات البصل التي شردتها يداك فتنتقم منكِ أشد انتقام عندما تجعل من عينيكِ مقراً لها .. ولم يُغدق عليها باستخدام القائمة التالية :
1-صابون غسيل الأيدي ( استعمل نوعية عبير محد يقول مقاطعة .. مو مقاطعة )
2- آخر للجسد ( لوكس ويقال أن دوف أفضل وتضاربت الآراء وسال الدم للركب والحين الآراء بالعناية المركزة )
3- مزيلات الروائح بأنواعها السائلة والبودرة .. والسرية
4- شتى أنواع البارفانات العادية والمركزة كـ ( كازنوفا، HUGO، romanc وللرجال: ,GIVENCHY, V6 ,DESIRE )
5- كل أنواع البخور من ( صنفي ، والبقية تأتي )
6- ملطفات الجو مثل ( air weak، ............)
ولست أقول نوعاً واحداً منها .. بل كلها جميعاً في محاولةٍ يائسة لكي لا تسمع من صويحباتها عند دخولهـا :
" وي .. قطيعة .. بصل " .. وإن أغدق عليها فستكون ثوماً .. أو رائحة قلي .
ولن تكون ضمن المنعم عليهن بتجربة كل أنواع مساحيق الغسيل في حربٍ يائسة مع مجتمعٍ لطيفٍ من البهارات وزيت القلي والبيض والدقيق والصلصة التي اتخذت ثيابك مقراً يومياً لاجتماعها ..
فأي شرفٍ قد فاتكم .. وأي تجربةٍ عظيمةٍ ضيعتم على أنفسكم .. فتعساً لكم من قوم ما عرفتم الطبخ يوما .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أوه أعتذر بشدة وضمة وفتحة وكسرة وسكون لأن سيارتي انحرفت عن الموضوع - وعدني أبي بأنه في العام الذي تحج فيه البقر على قرونها سيشتري لي واحدة - ولم أكن أقصد الانحراف - بالسيارة محد يفهم غلط - .. ونتيجةً لهذه الأعراف الديكتاتورية المتعسفة الجائرة التي لو كان قراقوش موجوداً عندما أطلقتها عائلتنا المبجلة لاستبدل (حكم قراقوش ) بـ ( حكم عائلتي ) - هل ظننتم أني سأخبركم باسمها ؟!! - فبعد أن فشلت كل محاولاتي في أقناع أمي بالتنازل عن رأيها أو تأجيله حتى إشعارٍ آخر كان أن تذكرت وأنا بين يديّ النوم أن الحكم بالسجن المطبخي مع الأعمال الشاقة سينفذ بدءاً من الغد ..
لم استيقظ إلا على صوت المؤذن يعلن أذان الظهر فتثاءبت وأنا أنهض ببطء فما زال النعاس يحتويني .. كيف لا يفعل وأنا التي لم أنم حتى الخامسة صباحاً إذ سهرت في محرابي لمشاهدة فلم ( One Fine Day).. وما إن أنهيت صلاتي وقررت العودة لفراشي لمتابعة نومي حتى صاح الشرير بأعلى صوته معلناً انتصاره على البطلة وحاولت عندها أن أتذكر أي فكرةٍ غبية راودتني حتى أقبل تركيب نظام "الأنتروكم" في غرفتي؟!!
طبعاً كانت أمي تدعوني لاحتفال مطبخي لأنزل وأنا أردد كل أنواع الشتائم على نفسي لكل لحظةٍ دعوت الله فيها أن أصبح امرأة ناضجة .. ومطبوخة أيضاً .
ماذا أملك غير أن أندب حظي الذي أوصلني إلى هنا؟!!!
أمي تبتسم وهي تتأملني ولم تكن تدري أنها ستلعن سلسبيل اللذين كانوا بعد الله علة قدومي إلى الدنيا ( سمعتهم بالشارع يقولونها بهالطريقة .. لكن شنو سلسبيلهم ما أدري ) .. وأنا أنظر إليها نظراتٍ بريئةٍ صادقة مع وجهٍ حزينٍ بائس يستدر عاطفة الأمومة عندها .. فأدرات وجهها عني وهي تقول :
- لا تطالعي .. مستحيل.
أود أن أبكي لكن المشهد لا يتحمل الدموع .. لا أدري لم ذكرتني بالشيف رمزي وهي تقول :
- أخذي قدر و جيبي فيه الأرز .
ببلاهةٍ ارتسمت على ملامحي ما زلت أقف .. استدارت تنظر إلي بتعجب لِم أقف بهذه الطريقة دون حراك؟؟
أدركت عندها أن الأمر طال لذا تحركت من مكاني بعد أن يئست من أنها سترحم نظراتي البائسة .. أعرف طبعاً القْدر الذي تستخدمه أمي للغداء .. إذ أني أعود من الجامعة منهكة فأرمي بنفسي على السرير .. ولا استيقظ لكل الأصوات الشريرة الصغيرة من أخوتي اللذين يطالبونني بالنهوض .. أخرجت هذا المدعو بالـ (قدر) وأنا أفكر .. ألم يجدوا مصطلحاً أحلى لتسميته؟!!!!
استدرت لحيث نحتفظ بالأرز .. وفتحت الدولاب .. رأيت منظراً رائعاً فصرخت :
- اللّـه.. حديقة حيوانات .
صرخت بجزع: شنو حديقة حيوانات ؟!
لولا (القدر) في يدي لصفقت من الفرح: تعالي طالعيهم .. يا الله .. حلوين وناعمين كتكوتين .. طالعيه .. طالعيه كيف يحرك رأسه يمين ويسار يبي يطلع فوق .
أقبلت تحث الخطى مسرعة قبل أن تضربني على (قفاي) وهي تصرخ غاضبة: هذولا حديقة حيوانات؟!!! خوفتيني قلت ما أدري شنو صاير بالأرز .. هذول (عفة) .
بجزلٍ سألت : يعني فيه حيوانات مثلنا غداهم أرز ؟!
- مثلنا عمى بعيونج .. حتى عمى بعيونج .. خلصي .
أخذت الكوب الملقى مع الأرز وبدأت بوضعه في (القدر) متفاديةً حمل (العفة) معي .. واستدرت لأمي :
- أماه خلصت .
- أغسليه .
بتبرمٍ أجبت: ثقيل .
- شنو ثقيل .. كم كوب استخدمتِ؟!
ببساط:- ما عديتهم .
أقبلت أمي لتقدر عدد الأكواب التي استخدمتها فصرخت : شنو هذا؟!
أظنها أصبحت بلاهة لا بساطة: قلتِ لي أجيب الأرز .
- وفيه بني آدمه عاقلة تملئ القدر أرز؟!!!!
بفرح : ما في شيء اسمه ( بني آدمه ) أهي نسبة إلى ...
صرخت : بلا فلسفة .. اتفلسفي في الطبخ كان أنتِ شاطرة .. اللي على قدج ..
أكملت أنا : عندهم عيال .. مو بس بيت وزوج ومسؤولية.. أماه .. مستعجلين عا الشئا ( الشقا) ليه؟! على قول أخوانّا المصريين .
تدرك أمي جيداً أن النقاش معي عقيم .. ومن المستحيل أن ينتج منه بنون أو بنات .. ولا حتى بالأنانبيب .. لذا أكتفت بقول :
- أربعة بس يا الشاطرة .
وماذا يعني مصطلح (شاطرة) لديها ألا بد أن أكون ماهرة في الطبخ؟!! أنا أكره الطبخ .. وأشجع شعار هذا العالم .. ( فلتحيا الوجبات السريعة ) ..
وضعت الأرز تحت الماء الجاري .. ورأيت الـ ( عفة ) ترتفع لأعلى الماء .. فأوقفته .. كانت تسبح فوق الماء في محاولةٍ للنجاة بنفسها في حين أحضرت ملعقةً لأنتشلها بها من ورطةٍ صبت على رأسها .. حين التفتت أمي لأبنتها التي تظن نفسها إحدى عضوات منظمة ( حقوق الحيوان ) .. أو ربما ضمن فريق الـ ( 911 ) .. ضربت بيدها على صدرها وهي تصرخ فيّ :
- شنو هذا؟!
ببراءة : حرام أمـاه .. طالعيهم راح يموتون .. قلت أنقذهم وأرجعهم مكانهم .. أكيد عندهم أحد ينتظرهم .
لم تكتشف أمي أن في عائلتنا الموقرة جينات غباء حتى أنجبتني .. وعزت ذلك طبعاً لعائلة أبي لا عائلتها .. أعادت تشغيل المياه .. ورأيت الـ ( عفة ) تموت غرقاً .. وكدت أبكي مرةً أخرى لولا أن أمي كانت تطلق سيلاً من كلمات المديح على العبقرية المطبخية التي أمتلكها ولله الحمد والمنة .
- تعالي .
قالتها وهي تشدني من يديّ وعينايّ معلقتان بالماء المنسكب .. وقفنا عند (الجمبري) فأردفت :
- لأنك تأخرتِ بالنوم أنا نظفته .. بس هذا ما يمنع إنك تجربين كيف تنظفيه .. شاهدي وطبقي .
وكمن أعتاد على الأمر نزعت رأسها وذيلها والوسط و ألقته في القمامة قبل أن تشق ظهرها بسكينٍ حاد وتنتزع منها خيطاً أسود علمت فيما بعد أنه أشبه بالعمود الفقري .. واستدارت إليّ بنظراتٍ لا تحمل إلا معنى إرهابي واحد ..
دورك.
دوري أنا .. أنا أفعل ذلك ؟؟!
- لا شنو قالوا لك ما عندي قلب .. أقتلها مسكينة .. no way .. حرام عليج جذيه تعملين فيها ؟!
- رقتج هذي برا .. بسرعة نظفيها .
ما زلت أصرخ بألم حقيقي: شنو ذنبها المسكينة إنها ظلت طول عمرها شفافة بلورية كل اللي حولها يعرفوا شنو داخلها .. تقتلينها بهذي الطريقة .. مو ذنبها إن هذا شكلها .. المفروض تتقبلينها مثل ما أهي .
- يعني قالوا لج ذابحتها .. أهي ميتة وخلص .. بعدين إذا مو عاجبج بغداج كليها جذيه .
آه .. طريقة لي الذراع هذه أكرهها .. تعرف أمي جيداً أن الجمبري هو طعامي المفضل .. لذا تناولت الجمبري بأسى ووضعتها على لوح التقطيع ووجهتها نحو القبلة وقلت بسم الله وأغمضت عينيّ وأنا أقطع رأسها قبل أن أصرخ :
- آااااااااااااااااااااااه .
ليس لأمي صبراً كأيوب يمنعها من أن تصرخ في وجهي بعد كل هذا :
- من غبائج يالشاطرة .. حد يقطع رأس الجمبري مثلج؟! لا ومصدقة حالها بعد موجهته للقبلة وتبسمل .. حطي عليج لاصتيق بسرعة .. خسرتينا جمبري .
لستم بالتأكيد في حاجة إلى توضيح أني قطعت إصبعي عوضاً عن رأس الجمبري وسال الدم عليها .. مع هذا فإنه أفضل مما كنت سأقدم عليه .. هكذا فكرت وأنا أعود لأقف بـ .. نقطة سيطرة .. أمي صرخت لأنها خائفة على الجمبري لا على إصبعي .. أظنه موضوعاً جيداً للنقاش والهرب من ...... :
- شنو خسرتينا جمبري .. منو أهم .. أصبعتي ولا الجمبري؟!
لم ترد عليّ .. أكره هذه العادة في تجاهلي .. لكني مصرة على النقاش :
- يعني بنتج مو مهمة .. تموت تحيا .. كله واحد .. ما راح أنصدم أبداً إذا قلتِ لي إنج مو أمي .. بسرعة قولي لي منو أمي هاه ؟!
- لا تطالعين أفلام مصرية واجد .
- آنا أصلاً ما أحب الأفلام المصرية .. بس الأجنبية مثل فلم البارح ( تحركت مشاعر العشق الأبدي للأفلام الأجنبية فأسرعت أرويه ) تعرفين أماه أنه فلم ..
قاطعتني : لحظة .. لحظة .. البارح كنتِ معانا في بيت أهلي وما ردينا إلا 2 بالليل .. متى طالعتيه هاه؟!
أوبس .. زليت يا لسان .. :
- يعني الجمبري أهم مني؟! O.K Deal .. بس أي نوع من البهارات أحط عليه .. ما قلتِ لي ؟!
أجيد تغيير المواضيع .. لكن لا تسألوني ما الذي قالته لي .. كل ما اذكره أنها أخذت تشير إلى أصنافٍ شتى وضعت فوق رفٍ خاصٍ لها وهي تشرح مسماه وفيم يستخدم .. لكني كنت اسمع لا استمع وشتان بين الاثنين ..
قلت لكم أنها أشارت إلى الأصناف لا استخدمتها .. أعرف أنكم مللتم مني لكن يجب أن تقروأ جيداً لتستوعبوا جيدا .. المهم والأهم من ذلك كله .. تطلعت إليّ بنظرةٍ شريرةٍ من نوع ( طبقي - وبدون - فلسفة - لأني - ما - أتحمل - أكثر ) .. لذا تناولت هذه الأنواع الغريبة العجيبة من المساحيق الملونة وأخذت أقدر الكمية بلون المسحوق .. ما أعجبني لونه وضعت منه الكمية الأكبر .. وما لا يعجبني أكتفي بكمية قليلة .. طبعاً الوالدة العزيزة لم تتفوه بحرف .. وأدركت حينها أنه ..
الهـدوء الذي يسبق العاصفة ...،
أعرضت عني ولم تتحدث .. استندت على الحائط تنظر إلي .. قالت بهدوء : حمصيه .
أريد أن أبكي .. أصرخ .. أحتج .. لكن نظراتها نحوي لم تساعدني على فعل شيء .. تتردد الكلمة الفضائية في ذهني ( حمصيه ) .. وماذا يفترض أن تعني ؟!! ما هذه الكلمة العجيبة؟ّ هل هبطت في قاموس مصطلحات أمي فجأة أم هي معروفة قبلاً؟؟ بل كيف تتفوه بها بهذه البساطة وتعتقد أني سأفهمها؟؟
- شفيج واقفة ؟!
أدركت أنها ستنفجر تحدثت أو لا .. لذا فكرت أنه من الأفضل ألا أتحدث لكي تحدثت:
- أحط عليه حمص يعني ؟!
وهبت العاصفة :
- حمص شنو ؟! من غبائج ما تعرفين شنو (حمصيه) .. ولا بنت طول بدون عرض طالبة جامعية ما تفهم كلمة ( حمصيه ) ؟؟؟ بس أبيج تعرفين شقد أنا أم طيبة وحنونة .. شقد أنا صبورة يوم اللي اتحمل بنت عله مثلج .. يعني لو صار لي لا قدر الله شيء شلون راح تتصرفين؟ ردي.
صمت قليلاٌ قبل أن أقول :
- راح أطلب من المطعم .
قبضت يديها بقوة حتى لا تضربني : ويلي .. هذي اللي بتذبحني .. هذي اللي بتجيب آخرتي .. بتموتيني نص عمر أنتِ .. يا ربي شسوي ؟!!! قولي لي شسوي فيج هاه ,, ولا أقول لا تقولي .
تحركت كبرق عاصف وأمسكت ببصلة لتحيلها في ثوانٍ معدودة إلى قطع صغيرة .. غسلتها ثم أضافتها للجمبري وصرخت بي :
- تعالي .
الحقيقة أني كنت خائفة من النار التي تخرج من عينيها .. والتي يكفي لهيبهما لطبخ غدائنا في ثوانٍ معدودة .. رأيت الـ ( قدر ) وقد تحول لونه إلى برونزيي فحركته قليلاً :
- لما يصير جذيه حركيه .. الجمبري بها الطريقة يكتسب اللون .. و انتظري الماي يجف .. بجذيه يكون الجمبري تحمص .. فهمتِ ولا أعيد .
ذكرتني بأيام المدرسة حيث كنا نجيب المُدرسة بأننا فهمنا وإن لم نفهم حين أجبتها : فهمت.
- الأرز حطي عليه ماي .. تقريباُ خمسة سنتم فوق مستوى الأرز .
- آه .. قصدج يصير الأرز خمسة سنتم تحت مستوى سطح البحر.. مسكين الأرز بتغرقينه لشـ ..
و.. قبه ه ه ه ه .. هوووووووه .. كالريح أطلقت ساقي هرباً من (اليوفو) .. وكانت تلك أول مرة أرى فيها صحناً يطير ..
كرااااش .. تحطم الصحن.
أخي أمامي ينظر إلي .. لا ريب في أنه يتسائل لم خرجت بهذه الطريقة؟؟
لا أحب أن أبدو بمركزِ ضعيف وأنا الكبرى فقلت له :
- خلود .. كنت أبي أناديك .. جيب لي مسطرة .
- تعالي . هكذا صرخت بي أمي من وكرها المطبخي .
أدخلت رأسي فقط : نعم أماه ؟!!!
- شتبين بخالد ؟
- يجيب لي مسطرة بقيس الخمسة سنتم .
كان في يدها خرقة بالية تستعملها لإمساك الأطباق الحارة و تششششش .. مزقتها إلى نصفين في ثانية واحدة .. ورأيتها كالجبل في خطواته تسير إلي ..
ومرة أخرى ..
قبه ه ه ه ه .. إلى أعلى الدرج .. صرخت فيّ من أسفله :
- نزلي .. أقولج نزلي .
- لا .. مستحيل .
- المستحيل غبائج .. أبداً مو معقول .. أجل تنادين أخوج تبين منه مسطره تقيسين مستوى الماي .. أساطر بوجهج الحين؟!!! أحطج تحتي وأبرك عليج؟!!! أمسك رقبتج وأكسرها؟؟؟ والله قهر .. أطول مني وهذا تفكيرج؟!!! والله لو يدروا الناس محد تقدم لج .
( أفكر ) : يعني أنا اللي أبي أتنازل عن عرش عزي هنيه إلى واحد الله أعلم شلون يعاملني ؟؟ لا يبا .. اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفه .
ما زالت أمي تصرخ : نزلي .
كالأطفال : ما تضربيني ؟
تتنهد أمي بأسى : أضربج؟!!! بعد كل هالعمر أمد يدي عليج؟!! نزلي بس نزلي الله يعدي هاليوم على خير .
أنزل الدرج خطوةً خطوة .. أنظر إليه نظر الغنيمة لصيادها .. أشعر بخلجات صدرها المكبوتة بركاناً قابلاً للانفجار في وجهي .. تتمتم ببعض الأحرف .. أدرك أنها تستغفر وتحوقل وتستعيذ بالله من الشيطان .. وربما اتبعت ذلك بقل أعوذ برب الفلق ..
حين حاذيتها ركضت لكنها أمسكت أذني وقرصتها بقوة :
- مسطرة يا .. يا شنو .. شنو بس أقول .
- آه .. آه .. أماه اذوني حرااااااام .. آه .
- حرمت اللي مثلج على الأرحام إن شاء الله .
أخيراً رحمت أذني بعد أن أحمرت ودفعتني إلى حمم التعذيب المطبخية مرة أخرى ..
على حد تعبير الأستاذ صالح في قطعة 13 ( في سؤال يقرقع بالي ) أ كل يوم تمارس النساء هذا التعذيب ؟!!!! أ كل يوم تقوم النسوة من فراشهن الوثير الناعم لتمارس هذه الطقوس؟!!!
أريد أن اسأل لكني لم أجرؤ أبداً على ذلك .
كانت أمي قد جعلت من (القدر) حماماً مائياً للأرز وصرخت :
- تعالي يا العلة .
دنوت منها فأمسكت برقبتي تود طمسها في ( القدر ) :
- جذيه .. قدريه .. بالنظر شكله يكون خمسة سنتم .. طالعي .. طالعي .
- أماااااااااه . صرخة إنسانية تستجدي قلب أمي لترحمني من كل هذا.
وضعتْه على النار:
- الملح .
تناولته من الدولاب وأعطيتها إياه لكنها لم تمد يدها لتتناوله ففتحه لأملح الأرز ..
أعجبني منظر شلال الملح المنهمر لكني رفعته حتى لا أتسبب برفع الضغط عند العائلة الكريمة .. لكن أمي قالت :
- أكثر .
عدت لأسكب ذرة صغيرة فقط .
- قلت لج أكثر .
- شنو أكثر راح يصير مالح .
- منو اللي تطبخ كل يوم آنا ولا أنتِ .
لا أحب أن ينتصر عليّ في الحديث أحد .. ولكن أكثر .. أكثر وما يهمني إن أصاب الضغط العائلة كلها ؟!
عدت لأضع المزيد حتى أمرتني بالتوقف فتوقفت .. تنفست الصعداء .. انتظري الماي يغلي .. وبعدها بخمس دقائق أشخلي الأرز .
عدنا للمصطلحات الأعجمية مرة أخرى؟!!!
من أين يأتون بمثل هذه الكلمات؟!!! شنو أشخليه ؟!! حتى الحنجرة تتألم إذ تبدو كل الحروف من مخرج واحد .. أشخليه .. إلى ماذا ترمز يا ترى ؟؟! إلى (المشخال) طبعاً .
شنو ( مشخال ) ؟؟؟ أعدمت الأسماء حتى سموه هكذا ؟!!!
المهم أني أخرجت هذا الشيء ذو الثقوب فعلت كما طلبت .. فرأيت ابتسامة تتلألا على شفتيها .. وهي تهتف :
- الحمد لك يا رب .. الحمد لك يا رب .. أخيراً فهمتِ شيء .. أخيراً عملتِ شيء بدون ما ترفعي ضغطي .. ( أخرجت علبةٌ ما من الدولاب ودنت مني ) .. تناولت ملعقةٌ خشبية كبيرة كنت قد استعنت بها لأحرك الأرز .. وأعادت وضعت كمية منه في (القدر) .. ثم سكبت ذرةً لا تكاد ترى من العلبة التي أحضرتها وقالت مفسرة :
- هذي صبغة .. ذرة صغيررررررة تكفي .. بجذيه يصير الأرز جزء منه أصفر وجزء أبيض .
شهقت : أماه .. حطمتيني .. جذيه؟!! بعد عشره 20 سنة!!! صدمتيني .. بعد 20 سنة أماه!!! لا .. لا .. ما أتحمل .. الصدمة أكبر من أني أتحملها .. لا .. لا .. ما كنت أتوقع منج هالتصرف .. أنتِ؟؟؟ أنتِ أمي الحنون جذيه سواتج؟ !! ؟؟؟ لو ما شفت بعيني ما كنت أصدق .. بعد 20 سنة ؟؟؟ مستحيل .. مستحيل .
- شفيج قلبتي مسلسل كويتي ؟!!!! (قالتها وهي تفعل شيئاً ما بالأرز)
- شنو هالتفرقة العنصرية .. مو حرام تلونين جزء من الأرز وتخلين جزء؟!! المفروض الكل له الأحقية إنه يتلون .. وبعدين لشنو تلونينه؟!! تقبليه ...
استدارت إلي بهدوءءءءءء .. نظرات عينيها خالية من المعاني .. ابتسمت ابتسامة صفراء قبل أن تصرخ بأعلى صوتها :
- بررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررا .
يعلم الله .. يعلم الله أني لم أركض في حياتي كما فعلت لحظتها .. ركضت وتركض خلفي ثلة من الأطباق والملاعق والقدور ..
لكني تذكرت شيئاً ضرورياً لذا عدت لأدخل رأسي فقط لأهتف :
- تبين أنزل المطبخ معاج بكرا ؟؟؟
مشخال لطيف تأخر عن المجموعة قبل قليل يطير نحوي ..
قبه ه ه ه ه ه .....،