صديقتي
كنت قريبة جدا .. موطنك بيت الجيران
وفي النافذة المقابلة لغرفتي كنت أرى أطيافك تتراقص على المرايا وعلى زجاج النوافذ
كنت تحبين الإحساس بالهواء .. بالحرية فتتركين الكثير من نوافذك مفتوحة
تعارفنا في سنتنا الأولى وارتبطنا كبرعمين من شجرة واحدة
ألعابك هي ألعابي .. وسريرك سريري
حتى ألوان الحائط في غرفنا كانت واحدة
كنا توأمتين لم يفرقنا سوى السور والمساحة بين غرفتينا
ولكن كل يوم كان قلبانا واحدا ..
وجرحنا واحدا ..
عندما أسمع توبيخ أهلك لك .. كنت أبكي
وكأني أنا التي تعرضت للتقريع
وعندما تمرضين
يجافيني النوم فأجلس قرب نافذتي أنتظر اطلالتك
شاركتني كثيرا .. مدرستي
وملابسي
وأفكاري
وتقاسمنا معا أفراحنا وأحزاننا
حتى جاء ذلك اليوم
استيقظت وقتها والضيق يملأ قلبي
كان السحر يغشى الأفق وغرفتك غارقة في الظلمة
انقبض قلبي فليس هذا من عاداتك
جلست أتصفح غرفتك في تأمل
بحثا عن جواب وكأني أنظر إلى وجهي في مرآة ما
دخلتي بعدها ولاحظت طيفك وراء الستائر
توقعت أن أسمع صوتك العذب يحييني تحية المساء
توقعت أن تنساب أحاديثنا الطفولية
وتمنيت أن أسمع تعليقاتك
ولكن فوجأت بك تحكمين إغلاق الستارة
وكدت أن أنفجر باكية أو صارخة لتجيبيني
لكن صوت أبيك أخرسني :
ستتزوجين وتسافرين .. وليس بعد هذا الكلام نقاش
أكمل أبوك كلامه وتهديده وفقدت أنا الرغبة في السماع
فرجلّي لم تكونا لتقويان على حملي
وأنا أسمعك تنتحبين .
آآآه لو كنت أستطيع أن أقفز على السور لأقف في وجهه
فطوال عمري كنت من أدافع عنك وأقف في وجه من يؤذونك
تمنيت يومها أني أعطيتك جزءا من شجاعتي
أو علمتك بعضها لتصرخي (لا) في وجه أبيك
تمنيت الكثير عندها و وبخت نفسي
وعندما خبت أصوات النحيب والصراخ في غرفتك
اقتربت لأجدك عند المرآة
بدوت لي بقايا فتاة .. وجهك لم يكن هو على انعكاس المرآة
وعبر الانعكاس ابتسمت لك وبكيتك
بكيت أختي التي تمزقت
بكيت القلب الذي انخلع
والفتاة التي جرحت ..
بكيت خضوعك واستسلامك
وقبل كل شيء خدش رقتك !
صديقتي يومها لم نتكلم ..
فقد عَرفت ما سأقوله
وعرفت أنا بدوري أن كلامي لا معنى له
فأنا مهما قلت لم أكن لأقف في وجه أبيك
الذي لا يرده عن أوامره شيء
حتى أمك قابلتني يوم الخطبة بعينين دامعتين
تلألأت الدموع في عينيها وقبلتني
قالت لي بخفوت : عقبالك .
وأحسست بألمها
لامست في حضنها الحنين والشوق لمشاعر مواسية
فلم نفك من الأحضان إلا ودموعنا متختلطة
صعدت إلى حيث جلست ورأيت خولة أختي وهي تزينك
كنت ملائكية الوجه بسمرة محببة
وعينان واسعتين بريئتين
أما ما رأيته رغم كل جمالك فتاة خائفة مترددة
في تلك الليلة وحين اغتصبت كلمة نعم من فمك
كنت أعيش معك صراعاتك
من يومها خفت مقابلاتنا فأبوك يعتقد أني سبب القوة !
اكتفينا بأحاديثنا المسائية
وأشواقنا تنقلها نسمات الهواء الذي يزور غرفتينا
مكالماتنا التلفونية كانت ممنوعة .
كنت أجلس مستندة إلى جدار النافذة وأكلمك
وكنت تستلقين على سريرك تتنهدين وتخبريني بخفوت أن لا أحزن
وأن أدعو لك !
وهل توقفت يوما حبيبتي ؟
مرت الأيام بسرعة وانتهت الدراسة ومعها انتهت أيام مرحي فرحي
و سعادتي
وكيف البِشر ببعدك؛ فزواجك على الأبواب
نظرت إليك يوم استلام الشهادات
وقبل أن ندخل على المديرة
سألتك بحنين لإجابة صادقة :
سعيدة أنت مها ؟
لم أكن أقوى على رؤية دموعك
ولكنها تساقطت بتناسق رقيق على وجنتيك
وضممتك حبيبتي بقوة
ومعه انخلعت أجزاء من قلبي ..
الذي لم أتصور أنه سيتمزق كليا بفراق (خوختي) أيضا
يوم زفافك كان يوم موتك
كنت هناك بملابسك البيضاء
فراشة متوجة تزف إلى الغربة
إلى الألم
إلى البعد
ورغم كل ذلك لم تفقدي أبدا الطهارة
والنقاء
غادرتني حبيبتي ومن يومها لم أرك
لم أسمع منك
ولكن بقيت ذكراك في قلبي ، تلازمني كلما أرقتني الليالي
ومشاكل الدنيا
أخبرك هنا وبعد مضي سنة ونصف على رحيلك
أني لن أنسى يوما توأمتي
فرغم كل شيء لا زال هناك الله يربط بين قلبينا
أختك
الروابط المفضلة