::
::
مذكرات مواطنة ليبية
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
بصراحة لا أعرف كيف أبدأ الموضوع أو كيف أتحدث عنه ولكن بإمكاني أن اختصر المقدمة لأقول أن القصة بدأت في 17 \ 2 \ 2011 كما يعلم الجميع كان هناك اعتصام لمحامين أمام المحكمة في مدينة بنغازي احتجاجا على اعتقال زميلهم المحامي الذي كان يدافع عن قضية أهلي ضحايا مجزرة سجن أبو سليم وهى غنية عن التعريف وفيها قتل النظام الفاسد 1200 سجين في يوم واحد دون علم أهاليهم وبالسر وتم إخفاء الحقيقة كل هذه المدة حتى ظهرت الحقائق بشكل وبأخر وكان يحاول المحامي المعتقل أن يوصل أصواتهم للنظام ومطالبتهم بمعرفة حقيقة ما جرى 15 سنة مضت وكان هناك مجموعة من الشبان معتصمين أمام مديرية امن الدولة أيضاً .
صحيح إن السلطات أفرجت عن المحامي إلا إن هذا الاعتصام البسيط لم يكن إلا بداية الشرارة فقط ففي 17 \ 2 هذا اليوم الموعود والذي حددت فيه الجماهير الليبية يوم للغضب والتظاهر حيت تجمع عدد كبير من الشباب في وسط المدينة بعد صلاة الظهر الموافق يوم الخميس وأيضا أمام مديرية الأمن ورددوا شعارات مثل :- " نوضي نوضي يا بنغازي جاك اليوم إللي فيه إتراجي " والمقصود هوا استيقظي يا بنغازي جاء يوم الانتفاضة والتظاهر الذي لا طالما انتظرته .
وتم طبعاً مواجهتهم بخراطيم الماء الساخنة للدموع والعصي الثقيلة المعروفة بالهراوات وهكذا .
وقد بدأت الأخبار بالانتشار في أرجاء المدينة وهكذا استمر الموضوع في الليل في وسط شوارع المدينة واستمرت المواجهات بين الشرطة والشباب ولكن هذه المرة بالرصاص الحي ، نعم لقد أطلق الرصاص الحي منذ ثاني يوم على متظاهرين عزل شباب لم يقولوا إلا نريد التغيير ، نريد مطالبنا وحقوقنا الأساسية ، ونريد الحريـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــة ....
وفعلا من بعد إطلاق أول رصاصة فقد النظام شرعيته تماما مما استفز الشعب فبدأت أعمال الشغب من حرق لمراكز الشرطة ومباني حكومية وكل ما يمثل سلطة النظام في المدينة وانفجر الغضب لدى الجميع وتزايدت الأعداد المتظاهرة وخرج الكل في ضوء النهار ولم يخف الجموع من أحد وكأنما هاجس الخوف قد تحطم بالكامل من قلوب الليبيين .
بدأت الجماهير في كل منطقة من مدينة بنغازي في التظاهر من شباب ورجال ونساء وصغار أبضاً وترددت لأول مرة على ارض ليبيا العبارة الشهيرة " الشعب يريد إسقاط النظام " وأخيرا تمكن الشعب الليبي من قول هذه الجملة الشجاعة بعد 42 سنة من الكبت واقهر والصمت .
وطبعاً لن أنسى أن أذكر أن النظام عندما شعر بأنه بدا يفقد في سيطرته أراد إسكات الشعب بجلب مرتزقة أفارقة تختلف جنسياتهم من غانا وغينيا وتنزانيا والسودان وغيرهم ممن أغراهم القذافي بمبالغ طائلة من اليورو والدولارات حتى يسكتوا شعبه وينشروا الفزع في قلوبهم .
لقد خافت العائلات من الخروج للمدينة بعيداً عن المنزل من بعد سماع حقيقة وجود مرتزقة منتشرون في كل مكان فقط لقتلنا وترهيبنا ولكن الشباب والشجاعة تعمي قلوبهم لم يتوقفوا أبدا أو يترددوا عن مواقفهم واستمرت الانتفاضة واستمر الغضب وتم القبض على المرتزقة والتحقيق معهم وكشف حقيقة من جلبهم والحمد لله تطهرت البلاد من هؤلاء القتلة وبدء الأمن يستتب في بنغازي شيئا فشيئا وتم السيطرة على الأمور وطبعا استمر الاعتصام أمام مبنى المحكمة أو المعروف عليه بساحة التحرير وسوف يستمر الاعتصام حتى يسقط النظام .
وخلال هذه الأثناء كان النظام ينكر وبشدة أنه يوجد تظاهرات في البلاد وينكر إطلاق النار وينكر وجود مرتزقة وينكر أي ضوضاء أو عدم استقرار في البلاد وكان يفسر القصة بأنهم مجرد شباب سكارى مخدرين من الإرهابيين تدعمهم القاعدة لغرض زعزعة امن واسقرار ليبيا ولا زال بقايا النظام الفاسد في طرابلس حتى الآن يقول إننا جماعات مسلحة إرهابية وسيتم القضاء علينا لتطهير ليبيا شبر شبر بيت بيت دار دار زنقة زنقة فرد فرد واعتقد انه الكل سمع الخطاب التاريخي للمجنون القذافي وهوا في حالة عصبية لا يرثى لها .
بعد تحرر الشرق بأكمله من إمساعد على الحدود المصرية إلى أجدابيا من قبضة القذافي وعصابته المجرمة تحركت طرابلس العاصمة وبدء الناس في مناطق بالعاصمة مثل سوق الجمعة وفي الساحة الخضراء بالخروج والتظاهر ضد النظام ودعما لإخوانهم في الشرق وقد تم قصفهم وبشكل فوري بالهليكوبترات وبمضادات الطيران بدون أي تردد ولا أحد يعلم حتى الآن تفاصيل الحدث ولا حتى كم عدد الضحايا في تلك المجزرة إلا أن الشواهد من هناك قالوا ان الدماء في طرابلس يومها كانت تسيل للركب .... يا للفظاعة .
في نفس اليوم قرر القذافي إن سيتم قصف بنغازي بالطائرات وطبعا أول مكان سيكون المحكمة حيث كان يعتصم الآلاف من الجماهير من رجال ونساء مجرد قراءتنا لهذا الخبر على التلفاز حتى أصبحنا في حالة لا يرثى لها .
لا نستطيع وصف الموقف أو مشاعرنا .... !!!!
" سوف نقصف بالطائرات ..... سوف نباد جميعاً .....!! " إنتقل الخبر سريعا في بنغازي ما بين الناس وكانت ليلة من الجحيم فعلا ولكن يسرني أن أقول انه لم يتم قصف بنغازي والحمد لله فان الطيارين المكلفين بالقصف افرغوا حمولتهم في المطار وذهبوا إلى مالطا وطلبوا اللجوء السياسي رفضاً منهم لقصف شعبهم بهذه الهمجية والحمد لله تعالى .
تحرك المجتمع لدولي وأخيرا تم فرض منطقة حضر جوي على ليبيا بتاريخ 17 \3 وتم تشكيل مجلس وطني انتقالي وتوالت الاعترافات به وتواصل الدعم المادي والاقتصادي والسياسي للمجلس من مختلف الدول العربية والغربية ولن ننسى هذا الدعم ما حيينا وللثورة وتم الاعتراف بها من تقريبا معظم دول العالم على إنها ثورة شعب تطالب بالحرية وليست أعمال همجية تخريبية من جماعات مسلحة إرهابية كما قال النظام .
وحتى لا أطيل عليكم الحديث وباختصار تسلح الشباب الليبي للدفاع عن نفسه من بطش النظام وبدأت الحرب الليبية بين عصابة كتائب القذافي والثوار وبدأت جبهات القتال بالتشكل على مشارف مدن مختلفة مثل البريقة وراس نالوف ومصراته والجبل الغربي وغيرها وأدمن الشعب الليبي على مشاهدة الأخبار وتلونت وجوهنا مع كل خبر بلون " معارك – قصف – كر وفر – موتى وجرحي – دمار وخراب "
وإلى الآن القصة لم تنتهي منذ 7 شهور ولن تنتهي إلا بسقوط نظام معمر القذافي وعصابته المؤلفة من أبنائه المجرمين ومساعده السفاح عبد الله السنوسي .
- ورغم إني اختصرت القصة بقدر الإمكان إلا أن تفاصيل كثيرة لم أذكرها لا تسعها أوراق العالم كله ولا يسعني الوقت لكتابتها .
وفي نقاط بسيطة سأذكر أبرز ما أرتكبه النظام في هذه الحرب :-
1 – تم تدمير مدينة الزاوية ومصراته بالكامل وانتهاكها وانتهاك حرمتها .
2 - مقتل أكثر من 10 ألاف شخص في ليبيا منذ الحرب واعتقال تقريبا 30 ألف شخص أخر لا يزال مصيرهم غامض والأعداد في تزايد مستمر ... يا للبشاعة .
3 – تم اغتصاب ما لا يقل عن 300 إمراة بين متزوجات وفتيات قاصرات بكل وحشية وهمجية من قبل الكتائب والمرتزقة الأفارقة .
4 – دمار وخراب في المباني والطرق في مختلف مدن ليبيا الحبيبة .
5 – ستة ملايين ليبي وليبية محطمون نفسياً ينزفون حباً كلما نزفت ليبيا قطرة دم واحدة وكلما سقط شهيد طاهر على ترابها .
وإن كانت هذه الحقائق البشعة والمؤلمة التي قلتها قد نشرت مسبقاً في الأخبار والبرامج فثقوا وتأكدوا أن ما خفي كان أعظم .
(( كلمة أخيرة ))
هذه الحرب في ليبيا لم تكن تخطر على بال أحد فلقد تفوق القذافي فيها على الشيطان نفسه وتأكدنا جميعاً وأمام أعين العالم أنه الشر المطلق بدون منازع ، وإن هذا الجرح العميق سوف ينزف طويلاً ولن يلتئم حتى تتحرر البلاد من الطغيان وسيشهد الكل على جسارة وشجاعة الفرسان من الشباب الليبيين خلال هذه المحنة ولا اعتقد أنني أبالغ حين أقول بأننا دخلنا التاريخ من أوسع أبوابه ....
ليبيا حرة
بقلمي أنا
مواطنة ليبية
الروابط المفضلة