هذا كل ماكان يعرفه ... كان يذكر جيداً أنه أخذ معدات الغوص ، ليقوم بأول عملية غوص بمفرده ..
إختار منطقة هادئة هناك جوار دوار النورس .. أوقف سيارته وترجل منها وقد ارتدى بذلة الغوص
وتقدم بخطى بطيئة نحو الشاطيء .. كانت الساعة العاشرة صباحاً وقد بدى ساحل البحر خاوياً من الناس
في تلك الساعة ..
قابلته دورية لسلاح الحدود : هل معك ترخيص بمزاولة الغوص ..
نعم ..وأخرج لهم بطاقة بلاستيكية كان يحتفظ بها في بذلة الغوص ..
تفحص قائد الدورية البطاقة ثم ردها له قائلاً : حسناً يمكنك ممارسة هوايتك ، لكن دعني
أقول لك لاتقترب من تلك المنطقة ..وأشار له لناحية من البحر أحيطت بحواجز من الكرات البرتقالية
الضخمة... كانت منطقة شعب مرجانية خطيرة حاول الكثير الغوص داخلها لكنهم لم يعودوا منها .
هز له رأسه مبيناً له انه يعرف ذلك جيداً ..
إتجه بعد ذلك لداخل البحر ، وبعدما وصل للمياه العميقة غاص تحت الماء ، كان التيار في الأسفل
هادئاً ..أخذ يتقدم ببطء مراقباً أسراب من الأسماك الملونة والحيف البحري في الأعماق ..
لايدري كم مضى من الوقت وهو يمارس هوايته تحت الماء ، لكنه يعرف جيداً أن المتبقي معه
من ( الأوكسجين ) يكفيه لعشرة دقائق فقط .. إقترب كثيراً من تلك الصخور والشعب المرجانية
التي يعرف جيداً خطورة الدخول فيها ، وكل غواص يعرف خطور ذلك .. أخذ يتأملها بفضول شديد
ورأى أنه لاخطورة من الإقتراب منها .. أخذ يسبح باتجاهها ..إقترب من ممر تحت الصخور ..توقف
قليلاً متردداً ناظراً لساعة إسطوانة الأوكسجين ، وجد انه لم يتبق سوى سبع دقائق .. حسم تردده
واقترب من فتحة الممر أخذ يدور بقربها ناظراً لنهايتها المظلمة .. قرر بعدها الإبتعاد والصعود
لينهي بذلك اول يوم له في الغوص بمفرده ..
ولكن كان هناك مفاجأة له .كان كلما حاول الإبتعاد عن فتحة الكهف ، يرى شيئاً يقوم بسحبه إلى الداخل
قاوم كثيراً دون جدوى .. أحس أنه على وشك الإنهيار وأخذ يراقب ساعة الاوكسجين وعرف انه لم يتبقى
له سوى ثلاث دقائق ، عندها لجأ لأخر محاولة له متخلياً عن مقاومته ليتجه لداخل الكهف .. كانت هناك
قوة داخل الكهف تسحبه بقوة لم يستطع مقاومتها لكنه رأى نفسه يتجه لداخل ظلمة شديدة وأحس عندها
بدوامة شديدة أخذت تفقده كل أحساس بما يدور حوله ....
لم يدري كم من المدة بقي داخل تلك الدوامات الشديدة ،لكنه يعرف جيداً أنه أحس بشيء يدفعه بقوه
إلى السطح ..
أخذ يسبح باتجاه الشاطيء وهو يشعر بإنهاك شديد ، وهو لايكاد ان يخفي دهشته لكل مايراه حوله
لكنه وجد تلك المنطقة التي محظور فيها السباحة قد اختفت الحواجز المحيطة بها ..
رمي بنفسه فوق رمل الشاطيء وهو يراقب تلك المركبات التي تمر بجانبه وبعضها يتوقف عنده
ثم يخرج منها شباب ، يلقون نظرة عليه وهم مستغرقين في الضحك ، ثم يغادرون ..
لم يكد يفهم شيئاً مما يدور حوله .. لكنه يرى كل شيء مختلف تماماً ..أخذ ينظر ناحية وقوف سيارته
لم يجدها ، لكنه وجد مبان ضخمة من الأبراج الزجاجية الشفافة ويسير من امامها مركبات طائرة
وأخرى متوقفة في الهواء امام محلات يبدو من شكلها أنها مطاعم للوجبات السريعة ..
لم ينتبه سوى لوقوف مركبة بشكل إنسيابي باهر ، ثم نزل منها رجلان يرتديان ملابس غريبة الشكل
تبدو أقرب شيء للملابس العسكرية .. نظرا إليهما باستغراب شديد ودهشة ..
هبطا بمركبتهما وخرج منها أحدهما قائلاً له : حسناً ماذا تفعل هنا ؟ وماهذه المعدات القديمة التي معك
هل أنت مهرج .. أما عرفت أن الجلوس على الرمال مخالف للنظام ..
لم يزل غارقاً في دهشته ... قام المرافق الأخر بالهمس في أذن الأول : يبدو انه أبله
صاح باستغراب : ماهذا! أين انا ؟ ..
هز الأول كتفه ناظراً لمرافقه : صدقت إنه أبله او يتصنع البله ..
تريد ان تعرف أين انت؟ ..حسناً عليك بمرافقتنا ..قاموا عندها بتشغيل جهاز صدر منه ضوء قام
بشل حركته ومن ثم قام الضوء بحمله إلى جزء من المركبة ، ثم ارتفعت في الهواء منطلقة..
صاح فيهما : أرجوكما .إستمعا إلي .. أرجوكما ..
عندها نظر احدهما للأخر ، ثم قاما بإيقاف المركبة وهبطا بها بهدوء دون صوت ..
نعم أيها المهرج ..هل تعتقد أننا متفرغان لك ..أعلم انه لدينا من المشاكل الكثير ..هيا بسرعة
ماذا تريد ؟ ..
أرجوكما أخبراني أين نحن وفي أي زمن ؟ ..
إنفجرا الإثنان ضاحكان ..
حسناً أيها الأبله أو الذي يتصنع البلاهة نحن في الشهر الأخير من عام 1527 هجرية
ماالذي تريد أن تعرفه غير ذلك ؟
أخذ يرتعد ثم أخذ يقرص نفسه ليتاكد هل هو في حلم أم هي الحقيقة ..
أحدهما : حسناً مادامت تجد متعة في قرص نفسك ..فخذ هذه القرصة هدية من عندي ..
صاح من شدة الألم .. اما هما فقد استغرقا في الضحك ..
أحدهما للأخر : أرى أن نوصله لمصحة عقلية مارأيك ..
الأخر : ألا ترى أنه علينا إخبار دائرة المعلومات بذلك ..
حسناً ولكن دعنا نرى ملفه الخاص ..
هيا أيها الأبله قم فتح عينك نريد أن نرى هويتك .. سلطا عليه ضوء من جهاز لكنهما
فوجئا أنه لايملك أي سجل داخل قرنية عينه ..
أوقفا مركبتهما ثم هبطا وهما ينظران إليه : حسناً أيها المهرج الأبله ..هذه قضية أخرى
تسير دون سجل لك ، هل تستطيع ان تخبرنا ماذا فعلت بمعلوماتك ، ومن الذي قام بإتلافها
احدهما : يبدو أننا أمام مجرم خطير ..دعنا نسلمه لمركز الفضاء الجنائي ..
أنت مصيب ..ولكن دعنا أولاً نتناول طعام الإفطار أشعر بجوع شديد ..
الأخر : هيا لنتوقف عند هذا البرج ففي الدور المائتين كافتيريا جيدة ..
هيا أيها المهرج الأبله ، هل تناولت طعام إفطارك أم تريد ان تفطر معنا ..
لاأريد شيئاً أريد ان أذهب لبيتي ، فقد رزقني الله بطفل قبل أسبوع اشتقت
لرؤيته ..
أحدهما : وهل قدرت هذه النعمة حتى تنام على رمل الشاطيء بهذه المعدات القديمة المضحكة
أحدهما : أرى من الأجدى ان نوصله لبيته ..مارأيك
الأخر : حسناً ..
هيا أيها المهرج الأبله سنفرغ من طعامنا ثم نوصلك لأهلك ..
لفت نظره والمركبة متوقفة امام الكافتيريا ينتظران طعامهما انه هناك لوحة مكتوب عليها
أجهزة العيش تحت الماء ..
ناظراً إليهما : هل تسمحان لي بمشاهدة هذا المعرض ..دقيقة واحدة لاأكثر
نظر أحدهما للأخر : حسناً . دقيقة واحدة ..
رجعا بالمركبة وتوقفا عن المعرض ..
أخذ يتأمل أجهزة غاية في الغرابة ، ولم يرى أي شيء من معدات الغوص القديمة ولم يرى أي
أثر لاسطوانات الاوكسجين ..
إتجه صاحب المعرض للجزء الخارجي للمعرض ملقياً بالتحية على قائدا الدورية وطلب
منهما الدخول بمركبتهما قليلاً .. وجدا أنه لامانع من دخولهما لاسيما والبرد قارس
من جراء وجود جبال الثلج جوار الساحل والتي سحبت من مناطق القطب لتحل مشكلة
المياه في جدة .
أخذ صاحب المعرض يقلب في اسطوانات الاوكسجين التي معه وهو في غاية الإستغراب..
لم يعيرا قائدا الدورية الأمر أي اهتمام ، فكانا مشغولان بتناول فطورهما..
صاحب المعرض : هل تبيعهما ؟
ماذا أبيع ؟
هاتين الإسطوانتين ..لم يعد لهما وجود ..سأدفع لك مائة ألف دينار إسلامي
نظر إليه بدهشه ..
صاحب المعرض : حسناً سأدفع لك مائتي ألف ماذا قلت ؟
رجع للمركبة وبقي بداخلها حتى فرغا من طعام إفطارهما
أغلقا باب المركبة وأشارا لصاحب المعرض بالإنصراف وانطلقا بسرعة وصوت
صاحب المعرض من ورائهما يقول : سأدفع ثلاثمائة ألف وهذا أخر شيء ..
هيا أيها المهرج أين بيتك فوقت عملنا أوشك ان ينتهي ، والويل لك إن كنت تكذب
علينا ..سنضطر أسفين لاصطحابك للمركز الجنائي الفضائي ..
كان عندها مشغولاً بمحاولته التعرف على طريق بيته لكنه وجد صعوبة كبيرة فكل شيء
قد تغير ، وتلك المركبات تسبح في الفضاء من خلال طرق معدة لها من خلال شحنات
مغناطيسية ولايوجد أي أثر للإشارات الضوئية ..
أين نحن الأن ماأسم هذا الشارع ؟
نظر احدهما إليه بغضب : هل تعبث بنا أيها الأبله هل هناك أحد لايعرف هذا الشارع
إنه شارع ( قوات التحالف الإسلامي )..
ياإلهي إنه شارع صاري ..هذا شارع صاري إني أعرف تماماً تلك العمارة القديمة ..
استخدم احدهما جهاز امامه .. ظهرت معلومات تشير إلى أن شارع قوات التحالف
الإسلامي كان اسمه قديما قبل مائة عام ( شارع صارى ) ولم يبق منه سوى تلك العمارة القديمة
التي كانت تسمى قديماً ( عمارة جدة ..أول عمارة تتكون من ثلاثين طابق ) ..
من خلف العمارة ..هناك بيتي
توقفا بالمركبة داخل حي ، واستخدما الجهاز الذي أمامهما ، جاءت جميع المعلومات عن الحي
وساكنيه ..
حسناً ..أين البيت لنرى هل انت صادق ام تعبث بنا ..
لاأرى أثراً للبيت ..وأخذ يبكي ..
أشفقا عليه ..حسناً هل تستطيع ان تقول لنا أسمك فلعلنا نستطيع مساعدتك ..
نعم ..أسمي كريم عبدالله أحمد ..
وكيف لنا ان نعرف ان هذا هو أسمك ؟
وتذكر على الفور بطاقة الغوص التي معه فأخرجها بسرعة وقدمها لهما ..
ماهذه يارجل ؟!
إنها بطاقتي ..بطاقة الغوص ..
ياإلهي إنها بطاقات قديمة رأيت مثلها في المتحف المركزي ..ولكننا دعنا نحاول مساعدتك
هذا الجهاز أمامنا يقول أن هناك في الحي شخص إسمه فيصل كريم عبدالله أحمد .. الشهرة
( أبو كريم الغواص ) ..
فيصل .. نعم إنه أبني الذي رزقت به قبل أسبوع ..أوصلوني للبيت أريد ان أعرف الحقيقة
توجها لمنزل على شكل اسطوانة يشابه جميع تلك البيوت التي في الشوارع والاحياء ..توقفا
عند بابه ، وقامت الدورية بمخاطبة من داخل البيت عبر الحديث دون اجهزه ..
فتح لهم الباب وخرج شاب في نهاية العشرينات من عمره .. خيراً ..إن كان معكم صحفياً
فنحن نعتذر لكما فجدي نائم ومتعب ولايستطيع الحديث معكم ..
قائد الدورية : ليس الامر كذلك ولكن معنا شخص يقول أنه قريب لكم ..
إقترب الشاب بفضول ونظر في الجزء الخلفي وجد رجل في الخامسة والثلاثين تقريباً ..
أشار لهما : لاأعرفه .. إنه يكذب ..
قائد الدورية ، إن معه بطاقة تقول أن اسمه كريم عبدالله أحمد ..
الشاب : ماذا : إنه إسم لوالد جدي .. هل يمكنكما تحريره من القيد المغناطيسي ..أطلقا حركته عبر جهاز
وانزلاه من المركبة .. تأمله الشاب وقد هاله الشبه الكبير بينه وبين الرجل ..
قدم للشاب بطاقة الغوص ..
تأملها الشاب طويلاً : ثم سقط على الأرض مغشياً عليه ..
قائد الدورية لرفيقه : يبدو اننا وقعنا في عائلة كلهم بلهاء .. هيا دعنا نغادر ..
وانطلقت مركبة دورية الشرطة تاركة الحي بكامله ..
أفاق الشاب من إغمائته ممعناً النظر في الشخص الواقف أمامه ثم ..
)
الروابط المفضلة