كنت أنتظر بفارغ صبر برنامج "حدث بالفعل" على القناة الثانية المصرية لأشاهد أحداث الحياة الحقيقية على طريقة البرنامج السينمائية، فقد كان يعرض الأحد من كل أسبوع فيلما سينمائيا لرواية أحداثها واقعية وأشخاصها حقيقيون، طيلة الفيلم كنت أترقب الأحداث بعناية وأتعجب هل هي حقيقية بالفعل؟! وعندما ينتهي الفيلم يبدأ ضيف البرنامج -سواء أكان طبيبا نفسيا أو مختصا اجتماعيا أو غيره- بتحليل شخصيات الفيلم وتصرفاتهم.أدركت بعد ذلك أن الحياة أثرى من خيال أي مبدع أو روائي؛ لأنها من إبداع الخالق عز وجل، فالحياة الإنسانية مليئة بكل ما يخطر وما لا يخطر على بال بشر.. وتجربة واحدة منها كفيلة بأن تكشف لك عن براعة الإنسان في تعذيب أخيه الإنسان دون أن يقصد أحيانا.. وقد يكون هذا الإنسان أعز من لديه كأن يكون ولده أو ابنته.
في استشارة بعنوان "زوجتي.. تمقت الأنوثة وتخاف الرجل" قرأت عدة مشكلات في مشكلة واحدة، أرسلها زوج يحب زوجته، ويشكو منها برغم أنها ليس لها ذنب.. المشكلة بالفعل معقدة ومتفرعة؛ لذا أردت أن أشرككم معي لنعرف أصل الحكاية.. أقصد الرواية.
المشهد الأول (يشكي زوجته)
في المشهد الأول يشكو الزوج "عباس" من زوجته الخجولة المتمردة على أنوثتها والكارهة لها فيقول: "زوجتي لا تتزين لي قط إلا بعد طلبات كثيرة، تلميحا وتصريحا، أحيانا أفلح في استجلاب أنوثتها لثوانٍ معدودة، لكن سرعان ما تنطوي مجددا إلى أفكارها وكأن شيئا يمنعها، أتعبني هذا جدا جدا، وذلك بعد أن اكتشفت في ليلة الزواج أنها تخاف من الجنس خوفها من الموت".
ولكن ترى ما السبب الذي يجعل فتاة لا تحب كونها أنثى، وتخاف هذا الخوف الشديد عند اقتراب زوجها منها كما في حالتنا هنا؟! ربما العيب في الزوجة أو أنها ضعيفة أو مريضة، ولكن الزوج يؤكد أن زوجته ممتازة في كل شيء، فهي متديّنة، خلوقة، على قدر من الجمال، نشيطة في البيت، تحبه ويحبها حتى النخاع.
المشهد الثاني (flash back)
يفسر لنا الزوج في هذا المشهد سبب عقدة زوجته، ويحدثنا عن البيئة التي نشأت فيها وسمات أهلها فيقول: "نشأت زوجتي في بيئة متخلّفة من ناحية معاملتهم للنساء، فأنتم تعرفون أعراف بعض العرب.. زوجتي طيلة عمرها وبنات أهلها وأمها يحذرنها من الرجال، فهم هؤلاء الشريرون الذين لا يريدون لها إلا الشر!! حذار ثم حذار أن يحدث مكروه لك!! والجنس شيء مقرف، لا فيه حب ولا شيء، وليلة الدخلة هي ليلة المصير وميزان الشرف"!!
يومًا بعد يوم اكتشف الزوج أن بيئة حبيبته قتلت أنوثتها.. فهي لا تهتم بما تهتم به بنات أقرانها، حاول دائما أن يطمئنها ويكون معها، لكنها أتعبته نفسيا وأضرت بثقته بنفسه.
المشهد الثالث (فتنة الزوج)
مضى على الزواج خمس سنوات تقريبا ولم تتحسن الزوجة، بل استعصت على الزوج وأتعبته، فأصبح لا يستطيع القيام بعمله أو بأعمال الدعوة التي كان متعودا عليها، وتتأزم المشكلة وتظهر الحبكة الإنسانية عندما نعرف أن الزوج يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية مع كل أنواع الفتن والتفنن في الإغراء، والتي يقول عنها إنها مجرد أحلام وأوهام بالنسبة له مع زوجته.
وهنا بدأت تهون همة الزوج وتزداد نفسيته سوءا، حتى وهن التزامه، وأصبح لا يذهب للمسجد إلا نادرا، ثم صاحب جماعة من كثيري اللهو غير الملتزمين، وأصبح كثير التوهمات والتخيلات الجنسية، ثم اعتاد شيئا فشيئا العادة السرية، وأصبح سريع التلهف وراء صور الحرام، وعلى حد قوله فهو يجد نفسه على مرمى حجر من الوقوع في الزنا.
المشهد الرابع (ظلم الزوجة)
من الطبيعي أن ينعكس كل ما حدث للزوج أو بعضه على علاقته بزوجته، وتتحول معاملته لها، فبعد أن كان الزوج الطيب الحنون الذي حاول بكل الطرق أن يهدئ من روعها ويأخذ بيدها، أصبح يظلمها وينهرها فيشتكي من نفسه قائلا: "أرسلتها إلى أهلها مرات عديدة في العام الماضي، أغضب منها ولا أستطيع احتمال كلمة سوء منها، أصبحت سريع الغضب، أنهرها كل يوم، ثم يتفطر قلبي لها، لم أكلمها مرة لمدة شهر كامل".
ويتساءل الزوج ماذا يمكنه أن يفعل لمساعدة زوجته؟ وكيف يمكنه تحصين نفسه؟
المشهد الأخير (ترقب وعلاج)
لم تنتهِ أحداث الفيلم الواقعي بعد؛ حيث تؤكد د. فيروز عمر -الطبيبة والمستشارة الاجتماعية والنفسية- أن الطريق ما زال في أوله، وأن هناك فرصة وأملا في العلاج، وتؤكد أن حالة الزوجة من الوضوح للدرجة التي جعلت زوجها يشخصها بنفسه، وهي "تشوه لصورة الرجل بداخلها مع تراجع معنى الأنوثة بكل نواحيها".
وهذه الحالة -في بعض الأحيان- تزول بعد الزواج بالتدريج، وخاصة عندما يكون الزوج لطيفا رومانسيا صبورا، ولكنها في أحوال أخرى تحتاج لتدخل اختصاصي نفسي، وذلك من خلال جلسات علاجية قد تمتد لشهور.
وتكمل د. فيروز قائلة: أتصور أن هذا هو الحل، وأن الفرصة لم تضع، وخاصة أنهما مازالا في بداية حياتهما، كما أن الزوج ذكر أنه "أحيانا يُفلح في استجلاب أنوثتها لثوان معدودة"، وهذا معناه أن "الأنثى" بداخلها ما زالت على قيد الحياة، ولكنها ربما تحتاج الدخول إلى "العناية المركزة" بعض الوقت لإنقاذها.
وتنصح د. فيروز الزوج بأن يكون أكثر لطفًا مع زوجته حتى لا يشوه صورة الرجل أكثر بداخلها ويكمل ما جناه عليها أهلها، فهي فعلا لا ذنب لها، وهي في أمس الحاجة للعلاقة الزوجية، ولكن احتياجها مدفون في عقلها الباطن، يؤلمها دون أن تدرك أو تعي مصدر الألم.
ترى هل ما زالت هناك مجتمعات تزرع الشوك داخل أبنائها بهذا الشكل أم أن الأهل أصبحوا واعين وناضجين في كل مكان؟! هل بالفعل لكي يحمى الأهل بناتهم من الوقوع في الخطأ والمحافظة عليهن عليهم أن يزرعوا داخلهن كره ذواتهن كفتيات وإناث وتتحول الفتاة إلى جسد بلا روح وحياة بلا مشاعر؟! شاركونا بتجاربكم.
المصدر
موقع اسلام أونلاين
الروابط المفضلة