أين اختفت هيبة الوالدين؟!

يتساءل الكثير من المربين ان لم يكن معظمهم وخاصة في السنوات الاخيره اين هي هيبتهم؟ وما خطب ابنائهم وطلابهم لا يأبهون باقوالهم ولا يلقون السمع لمطالبهم ولا حتى ينصاعون لاوامرهم او حتى يأخذون بعين الاعتبار الارشادات التي يقدمونها لهم حتى يكاد الاب والام والمربون عامه يظنون ان كلمه "لا" اصبحت ملازمه لابناء هذا الجيل.....



هذا ان تكلفوا بقولها اصلا فكثير منهم من لا يلتفت الى من يحدثه ويلقي بعرض الحائط ما سمع ان سمع ويلقي وراء ظهره اما عاجزه او ابا يستشيط غضبا ولا يدري ما يفعل او معلما لا حول له ولا قوه قد مل الرفض ومل قوله "لا اريد" ومع اننا كنا نظن ان مثل هذا الرفض وعدم الاكتراث من قبل الابناء هو امر مرتبط بجيل المراهقه الا اننا اليوم نرى ونسمع ان هذا الرفض لا يقتصر على المراهقين وانما حتى على الاطفال الصغار الذين ننحني برؤوسنا كثيرا لكي ننجح في رؤيتهم .. فحتى هم اصبحوا يذهلوننا برفضهم المقرون بتلفظات بذيئه تكاد تصل الى درجه الوقاحه كأن يجيبوا الاب او الام او المعلم "من انت حتى اسمعك واطيعك" "انا اعرف مصلحتي" "انا حر" "ما دخلك بي" "هذا الامر لا يعنيك" وغيرها الكثير الكثير...
وازاء هذه التفوهات لا يسع المربون الا ان يقلبوا كفا على كف لا يعرفون ما العمل او انهم يتحولون الى عنيفين لكي يفرغوا غضبهم وعجزهم ليندموا على ذلك بعد حين وقد يتأسفون لابنائهم فيزدادون رفضا ويظنون انهم محقين وانهم ضحايا لآباء وامهات سلطويين وتقليديين كما يحب الابناء ان ينعتوا والديهم بالرغم من ان غالبيه المربين يطمحون خاصه في السنوات الاخيره بتبني اساليب تربويه حضاريه ديموقراطية.
ان حال الابناء هذا يجعل كما قلنا الآباء والمعلمين في حاله عجز وتساؤل نسمعه من الكثير منهم ان لم يكن من معظمهم: لماذا فقدت هيبتنا ؟ لماذا لم نعد اصحاب السلطه داخل بيوتنا وعلى فلذات اكبادنا؟ هل هذا الرفض وعدم الانصياع لنا هو مؤشر على فشلنا في التربيه؟ ام هل هو مرتبط بالعصر وخصائص ومميزات هذا الجيل؟ وهل يجب ان نعود الى زمان مضى نكون فيه كآبائنا سلطويين شديدين حتى يحترمنا ابناؤنا ولا يواجهوننا بالرفض دائما؟
ولكل هؤلاء المربين المتسائلين نزف البشرى (المؤسفه طبعا) انكم لستم وحدكم على هذا الحال بل معظم الآباء والامهات والمعلمين حتى فى المجتمعات الغربيه التي لطالما تفاخرت انها تتبنى الاساليب التربويه الاكثر تقدما والاكثر تحضرا حتى ان الباحثين والعلماء انشغلوا في ابحاثهم وكتاباتهم العلميه في محاولة الاجابه على هذه التساؤلات خاصه على ضوء نسب العنف المرتفعه جدا فى المجتمعات الغربيه وشراسه ونوعيه العنف الذي يمارسه الاطفال والشبيبه ونسبه الادمان وتجاره المخدرات كذلك نسب التسرب من المدارس وحالات الاغتصاب والاعتداءات على انواعها كل هذه الظواهر اكدت ان الاساليب التي روج لها المختصون الغربيون كانت خاطئه وادت بدورها من الاقلال من مكانه الوالدين والمربين عامه.
احدى الباحثات التي حاولت بحث كيفيه مساهمه اسلوب التربيه في زعزعه سلطه الوالدين هي ديانا بايمورند Diana Baumirand والتي ادعت ان اسلوب الوالدين المتسامح الذي اعتقد الغربيون انه الامثل وانه قمه الاسلوب المتحضر وقمه الرقي التربوي ما هو الا اسلوب خاطىء ولم يحدث الا الويلات على العائلات ومن ثم على المجتمع فبرأي بايمورند تمكين الطفل من خلال هذا الاسلوب اتخاذ القرارات بنفسه ودون تدخل الاهل يعطي الطفل الحريه الكامله ويحوله بهذا الى بالغ وتتساءل اذا كيف له ان يتلقى سلطه البالغين ان رأى بنفسه بالغا ومكّنوه من ان يكون بالغا؟ كيف له ان يتقبل ارشاداتهم ومطالبهم وينصاع للنظام والقوانين ان اعتبر نفسه بالغا قادرا على اتخاذ القرار وهذا ما يفسر اننا نجده يقابلنا بالاجابه "ومن انت حتى اتبع ما تقول" و"انا اقرر لوحدي"والسؤال هنا كيف نستهجن رفضه ونحن قمنا بتربيته بموجب هذا الاسلوب ظنا منا انه الافضل والتي تؤكد بايمورند انه اسلوب ادى الى بلبله موازين القوى داخل البيت والمدرسه وساهم في زعزعه سلطه ومهابه المربين ايا كانوا في حياه الطفل .
من الجدير ذكره ان هنالك باحثين اخرين عزوا فقدان السلطه الوالديه في السنوات الأخيره لاسباب وعوامل اخرى منهم حايم عاميت الذي ادعى ان ضياع مهابه الوالدين في السنوات الاخيره هو بسبب طبيعه الحياه العصريه التي نعايشها فالتطور التكنولوجي الكبير الحاصل في العقود الاخيره جعل من الابناء (خبراء تكنولوجيين)
فنجدهم متمكنين اكثر من اهلهم بالوسائل التكنولوجيه المختلفه وبرأي حاييم عاميت فان تفوق الابناء على مربيهم يجعل منهم اكثر قدره وقوه وبالتالي فيتم زعزعه في موازين القوى ففي اللحظه التي يكون الطفل خاصه في زمننا هذا اكثر قدره من والديه ومعلميه فانه قد يرفض سلطتهم عليه لانه اعلم واقدر منهم ناهيك عن انه قد يستعمل قدراته للالتفاف على سلطتهم فمثلا ذلك الطفل الذي يوقن ان الوالدين غير متمكنين من استعمال الحاسوب قد يراسل اصدقاءه ويطور علاقات غير لائقه عبر الانترنت دون معرفه الوالدين. وبهذا فان كون الابناء منكشفين على وسائل الاعلام والحاسوب والانترنت وغيرها تجعل منهم ذوي معلومات غنيه جدا قد تشعرهم انهم ليسوا بحاجه للبالغين وماذا عسى ان يضيف لهم المعلم او الوالدان اللذان احيانا يحتاجون الى اطفالهم ليتعلموا منهم..... الامر الذي قد يهدد ايضا مدى انصياع الطفل لاوامر البالغين فمن اهم الاسباب التي تجعلهم اصحاب سلطه عليهم هو انهم اعلم منهم.
ويضيف حاييم عميت سببا آخر قد جعل من مهابه المربين شبه مفقوده في عصرنا هذا وهو انكشاف الاطفال على وسائل الاعلام وخاصه على المسلسلات اهمها المدبلجه فهذا يفقد الاطفال سذاجتهم وتصبح لديهم نفس المعلومات (حتى الجنسيه ايضا) التي لدى البالغين فنجد انهم خجولون اكثر من أبنائهم ولهذا فيصبح الصغار كبارا مره اخرى وانهم لا يختلفون عنهم كثيرا فلماذا اذا نتوقع ان ينصاعوا لهم ويتبعوا ارشاداتهم ويسمعوا اراءهم .
وبهذا فقد خلص حاييم عاميت بالقول ان احد اهم اسس العلاقة بين الابناء وبين المعلمين والآباء هي الهرمية في العلاقة التي تمكن البالغين فرض سلطتهم في البيت (بحيث من يكون اعلى من حيث الجيل والمنصب والقدرة يكون الاقوى) قد تم تغيرها بسبب الحياة العصرية لتتحول الى افقية بحيث تم اختفاء عنصر السلطة الوالدية واصبح نوع من المساواة بين الاطراف واذا وجدت المساواة التامة فلا وجود للسلطة .
والسؤال هنا ما العمل وكيف لنا ان نسترجع مكانه الوالدين والمربين في حياه الطفل؟
اولا: يظن البعض ان افتقاد مكانه المربين في حياة الطفل هي سبب كافٍ لارجاع الاساليب القديمة التقليدية فالكثير منا من يتمنى بأن يعود الزمان يوما وهنالك من يقول "ما بنفع مع الاولاد غير الضرب" ونؤكد هنا ان هذا ليس بالحل الصحيح بل الحل هو الوسطية في التعامل مع الاولاد بمعنى انه يجب الامتناع عن اسلوب التسامح الزائد الذي اعلن الغربيون بأنفسهم انه اسلوب خاطىء وكذلك الامتناع عن الاسلوب التقليدي السلطوي الذي عانى منه اباؤنا في العقود الماضية وانما المطلوب هو نهج الاسلوب الوسطي المسمى بالسلطة الحوارية بحيث ندمج ما بين السلطة(وليس التسلط) وما بين الحوار فمثلا يجب ان يأخذ الاب والام والمعلم دورهم في توجيه وارشاد الطفل وتوضيح القواعد والقوانين والنظام الذي يجب ان نتعامل بموجبه ولكن دون قمع او عنف او مبالغه وانما يكون هذا الارشاد والتوجيه بحيث يتم التوضيح للطفل عن الاسباب والحكمة من وراء هذا النظام والاهم الاتاحة له للتعبير عن رأيه ومشاعره والنقاش معه حول ما يدور في ذهنه مع العلم انه ان لم يتبع الطفل هذه الارشادات بعدما قمنا بالتوضيح والاستماع له فيمكن اجباره بطرق غير عنيفة على الالتزام مع الاخذ بعين الاعتبار جيله وقدراته كمثل استعمال اسلوب الثواب والعقاب والمكافآت والتعزيز .
ثانيا: من المهم ان يسترجع المربون حزمهم واصرارهم على النظام اذا كان ما يطلبونه من الطفل فعلا حقا وضروريا ومهما لسلامته وتطوره الذهني والعاطفي فمن المهم ان لا نصر لاننا نريد فقط ان نجبر الطفل لان هذا يتحول الى اسلوب قمع وليس حوارا او سلطة محمودة ولكن يجب ان نصر اذا كان الموضوع يحتاج لذلك فهذا يصب في مصلحة الطفل.
ثالثا : يجب ان لا يتم اختراق سلطه المربين من قبل الآخرين فمثلا اذا لم يكن هناك توافق بين الوالدين وبين المعلم وكل الغى مطالب الآخر او استهزأ بها فسيتعلم الطفل سريعا انه يمكن ان يخترق السلطه وان لا يتبعها لانه سيتوجه دائما الى من سيقوم بالغاء ما طلب منه فان عرف ان امه مثلا ستشفق عليه فسوف يتوجه اليها كلما طلب منه ابوه امرا لانه على علم بانها ستسانده وتكسر كلمه الاب وتجرده بهذا رويدا رويدا من سلطته ومكانته.
رابعا : التتابع . من المهم ان يكون المربي متتابعا في مواقفه وما يطلب والاهم التتابع في اساليبه فلا يجددها كل يوم من جديد ليجعل الطفل حائرا لا يسعه الا ان لا ينصاع ويفهم ان مربيه ليس حازما فان علم الطفل مثلا ان اباه منعه من اكل الحلوى يوما وفي اليوم الاخر سمح له دون سبب او مبرر فانه في اليوم الثالث لن ينصاع لكل توجيهات ابيه بان الحلوى ضارة وعليه الامتناع عن تناولها وان انصاع فانه سيعرف كيف يبدي استياءه بطرق قد تجعل الاب يتنازل وان فعل فسوف يفهم الطفل نقاط ضعف ابيه فيلوح كل مرة بالبكاء او الشتائم او نوبات الغضب ليأخذ ما يريد وما هذا الا عدم الانصياع بعينه.
واخيرا من المهم ان نؤكد ان على المربين خاصة في عصرنا هذا ان يكونوا مواكبين للتحديثات التكنولوجية ومطلعين وملمين من حيث المعلومات والمعرفة وقادرين على مواكبة العصر فهذا يجعلهم مرجعية لاولادهم ويمنع زعزعه موازين القوة والتبعية داخل العائلة كذلك من المهم متابعة ما هي المسلسلات والأفلام والكليبات التي يشاهدها ابناؤنا فهي كما قال الخبراء حتى الغربيون منهن تفقد اطفالنا سذاجتهم وتكشفهم لمعلومات تجعل منهم بالغين في عمر العاشرة، وقد سبق ووضحنا انه اذا فقدت الفروق بين الاجيال ذهبت المهابة والسلطة التي يبحث عنها الامهات والآباء والمربون عامه في السنوات الاخيرة .


منقوووووووووووووووووووول