المتأمل في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يرى عجباً من قائد عظيم اصطفاه الله تعالى على العالمين، وحمّله أمانة الرسالة للبشرية بأسرها، ومع ذلك فحياته وسيرته مملوءة بالمشاهد الحية لحسن خلقه وعشرته لأهل بيته من نساء وصبيان وأقارب وأرحام!
يرى رجلاً لا ينشغل عن حق أهل بيته؛ لشغله العظيم – بل الأعظم بين الناس قاطبة - بالدعوة والبلاغ والتعليم والجهاد.. لا يؤخر حق رعيته "الخاصة" بسبب استغراقه في شؤون الرعية "العامة".. ولا يمنعه حمل همّ الأمة عن أوقات يمازح فيها أهله ويداعبهم، ويعلمهم ويوجههم!
فكان صلى الله عليه وسلم خير والدٍ وزوجٍ ومعلم ومربٍّ صلى الله عليه وسلم؛ بأقواله وأفعاله وأحواله؛ يخصف نعله ويحلب شاته – بأبي هو وأمي! –، ويقبل نساءه ويلاطفهن ويعدل بينهن. ويذهب إلى ابنته فاطمة لملاعبة سبطيه الحسن والحسين – رضي الله عنهم أجمعين – ويحملهم على المنبر، بل ينزل إليهم منه ليحملهم.
وهو في ذلك كله يجمع بين الرفق واللين والتأديب والتعليم؛ ينهى أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – عن قول "السام عليكم" ليهود.. ويأمرها بالرفق، ويزجر الحسن رضي الله عنه - صبياً - عن أكل تمر الصدقة: "كخ كخ، أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة"؟! ويحفظ منه الحسن "دع ما يريبك إلى ما يريبك" ويعيها ويبلّغها كما سمعها صغيراً ليتعلم منها كبار الأمة وصغارها إلى قيام الساعة!
وما هذه إلا إشارات مجملة إلى دواوين مسطّرة من عجائب الخلق العظيم لخير المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم!
وهي رسالة تذكير رفيق إلى محبيه الصادقين بحقيقة الشمول في حياة المسلم والمسلمة، وأن أقصر الطرق إلى سعادة البيوت هو اتباع "هدي محمد صلى الله عليه وسلم"!
لا تجعل أخي - ولا تجعلي أختاه - فتات وقتك لأهل بيتك.. لا يكن حظ الناس منكم حسن الخلق والتوجيه والنصيحة، وحظ الأهلين والعشيرة الأقربين الصياح والتجهم والغلظة.
ولنحذر "الانفصام".. وجه للناس؛ هاش باش.. وآخر للأهل وللعيال.. صارم بتّار!!
كما لا ننس مسؤوليتنا عن تعليمهم وتأديبهم، بالإضافة إلى حسن العشرة، والرفق بهم، قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}: "علموهم وأدبوهم". وقال الحسن – رحمه الله -: "مروهم بطاعة الله وعلموهم الخير".
وأخيراً.. لنجعل سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته في شمولها واتساعها ميزاناً نزن به قربنا من الصواب، واجتهادنا في تحريه، وإيتائنا كل ذي حق حقه!
الروابط المفضلة