ملخص كتاب: التوازن البيئي بين العلم والإيمان
الكاتب الأستاذ الدكتور أحمد مليجي



فيما يلي ملخص لكتاب مهم أصدرته جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم...


الحمد لله الذي عم برحمته جميع العباد، وخص أهل طاعته بالهداية إلى سبيل الرشاد، ووفقهم بلطفه لصالح الأعمال، أحمده سبحانه وتعالى حمدا طيبا مباركا ملء السماوات والأرض وما بينهما وملء ما شاء من شيء بعد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله الأكرمين الأجواد، صلاة يبلغه بها نهاية الأمل والمراد.
بادئ ذي بدء، أحب أن أشير إلى أن من أهم أسباب اختياري للكتابة في هذا الموضوع هو أهمية قضية البيئة ومشكلاتها التي أصبحت اليوم تشغل أحاديث المفكرين والمثقفين والعلماء في العالم على مختلف تخصصاتهم، بل أصبحت هم الجماهير من عامة الناس لما لها من عوارض على صحة الإنسان والحيوان والنبات، ولقد انتشرت الأمراض الخطيرة بين الناس ومات العديد من الأطفال ويعزى ذلك إلى اختلال التوازن البيئي.







يشكل النظام البيئي وحدة متوازنة ومتكاملة هيأها الله عز وجل للإنسان الذي هو سيد المخلوقات على الأرض، خلقه الله في أحسن تقويم، وأودع فيه قدرات عقلية وجسدية لم تعط لأي من المخلوقات، وأعطاه قابلية التكيف المستمر في سبيل تحقيق سعادته على الأرض، وبذلك استحق أن يكون خليفة الله في الأرض، فأَوكًل إليه مهمة تعمير بيئة الأرض، وإدارة عملية التغيير.
وجاء الإسلام عقيدة من الله ليصوغ حركة الإنسان كلها تحت مظلة إيمانية تحقق للإنسان متطلباته وغاياته. ولقد وضع الله عز وجل بقدرته جوانب الخير والشر في النفس البشرية، فعلى الرغم من قوة العقل وإرادة الخير، فالإنسان كائن ضعيف، قد تغلبه أحيانا شهوات نفسه ورغباتها، فتعميه عن الحقيقة، وقد تؤدي به إلى الخروج عن النهج الذي أراده الله لكي يحقق الانسجام مع قوانين البيئة التي خلقها الله، فيسئ بجهله وشهواته إلى بيئته، وبالتالي إلى حياته كلها، قال تعالى: ﴿ولو اتبع الحقُ أَهواءَهم لفسدتِ السماواتُ والأرضُ ومن فيهن﴾ [المؤمنون:71]، ومن هنا جاءت الشريعة الإسلامية عاصمة للإنسان من إتباع الهوى ، والميول إلى شهوات نفسه الأمارة بالسوء. فكان لزاما على الإنسان أن يشكر الله ويحمده على ما سخره له من روعة وجمال بيئته المتزنة ، وأن يحسن استخدامها واستغلالها لمصلحته ولمصلحة البشرية جمعاء دون تدمير ولا تلويث ولا إفساد، كما استخلفه الله عليها، فهي أمانة بين يديه وتحت تصرفه.
كذلك أحببت أن أناقش هذه القضية من خلال كلا المنظورين الإسلامي والعلمي، عارضاً الحلول التي أراها مناسبة، عسى أن ينتفع بها القارئ عند ويجعلها الله في ميزان حسناتنا. كما يوضح هذا الكتاب أهمية التوازن البيئي الذي حبانا الله -عز وجل- به، كما أشار المولى –سبحانه وتعالى- إلى ذلك قائلا ﴿والقينا فيها رواسي، وأنبتنا فيها من كل شيء موزون﴾ [الحجر/19].
ومما لاشك فيه أن الكثير من السلوكيات غير البيئية، هي بطبيعة الحال غير إسلامية، نمارسها ونحن نجهل أو نتجاهل أنه منهي عنها في الإسلام، ومن ثم لا نجني من هذه السلوكيات غير الإسلامية وغير البيئية سوي المشكلات والمآسي، ومما يجدر ذكره أن ما تعانيه البشرية اليوم من مشكلات ومخاطر هي نتاج ما اقترفناه في حق بيئتنا من استغلال مدمر ومستنزف لمواردها، ومن ثم جاءت العقوبة العادلة الإصلاحية من الله عز وجل لعلنا نفيق عما نحن فيه، فيقول الحق تبارك وتعالى : ﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون﴾ [ الروم : 41 ].







ويتناول هذا البحث قضية من أهم قضايا العصر ألا وهي اختلال التوازن البيئي. ومن ثم تكمن أهمية هذه الدراسة في وضع الحلول العلمية لمعالجة اختلال التوازن البيئي، وينقسم هذا الكتاب إلى أحد عشر فصلا تحت العناوين التالية:
1- ما هو التوازن البيئي؟
2- عناصر المكونات البيئية وتوازنها.
3- كيف نقتل أنفسنا بأيدينا؟
4- اختلال التوازن الجوى.
5- اختلال التوازن الأوزوني.
6- اختلال التوازن المائي.
7- اختلال التوازن السمعي.
8- مخاطر اختلال التوازن البيئي للتربة.
9- ماهى خطورة الفلزات الثقيلة؟
10- بعض الدراسات الميدانية لحفظ التوازن البيئي.
11- ما هو الحل؟.
ولعل ما تواجهه البشرية اليوم من مشكلات وكوارث بيئية متباينة ومتشابكة إن دل على شيء ، فإنما يدل ـ يقينا ـ على غياب الوعي البيئي الإسلامي الذي يجب أن يحكم سلوكياتنا وتصرفاتنا تجاه بيئتنا. لقد وصلنا إلى مرحلة أصبحنا فيها أحوج ما نكون إلى العودة الصادقة والمخلصة والملتزمة بتعاليم الإسلام وتوجيهاته السديدة لترسيخ الوعي البيئي الإسلامي، لننقذ أنفسنا مما نعانيه اليوم من مشكلات. ومن ثم تكمن أهمية هذه الدراسة التي تعالج "مشكلة اختلال التوازن البيئي" كبداية متواضعة نحاول من خلالها خلق الوعي البيئي الإسلامي وإبراز الحضور الإسلامي في تفسير ما هية البيئة ووظيفتها، والتأكيد على التوجيهات والتعاليم الإسلامية الرشيدة من سوء استغلال البيئة والإخلال بتوازنها من مشكلات عديدة باتت تهدد ـ بحق ـ البشرية وتعرقل مسيرة حركة الحياة على غير ما أمر الله ـ سبحانه وتعالى. إنني آمل حقا أن تكون هذه الدراسة المتواضعة مُعينة على ترسيخ السلوك البيئي على هدي من الشريعة الإسلامية لنرى أجيالاً تتعامل مع بيئتها بأسلوب راشد وعاقل.

نسأل الله أن يوفقنا إلى صراطه المستقيم، وأن يوجهنا إلى ما ينفع المسلمين والبشرية كافة، ويحقق لهم الخير والرشاد، ونسأل الله أن يديم علينا نعمة الإسلام، وأن يثبت قلوبنا على الحق والخير والصلاح.