السؤال: نقومُ بنَسخ أشرطةٍ دِينيَّةٍ ونُوزِّعُها أو نَبيعُها بأسعارٍ زَهيدةٍ؛
لسَدِّ مبالغ التوزيع، ولكن الأشرطة محفوظة، والهدف هو نشر العِلم والدعوة.
وبالمِثل الأسطوانات الليزريَّة، فبَعضُها يَجِبُ أن تقسم أنَّه أصليٌّ.
والحُصُولُ على النُّسَخ الأصليَّة قد يكونُ صعبًا ومُكلِّفًا، وغَرَضُ هذا العِلم؟
الجواب: الحَمدُ لله.
حُقُوقُ التأليف والاختراع والإنتاج، وغيرها من الحقوق المالية والمعنوية،
مكفولة لأصحابها، لا يجوز الاعتداء عليها، ولا المساس بها، من غير إذن
أصحابها . ومن ذلك الأشرطة، والأسطوانات، والكتب.
ويُنظَرُ في ذلك ما كتبه الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد- رَحِمَه الله- عن
حقوق التأليف والطبع، في كتابه "فقه النوازل" (2/101- 187).
وقد سُئِلَت اللجنة الدائمة: هل يجوز أن أُسجِّلَ شريطًا من الأشرطة وأبيعُه،
دون طلب الإذن من صاحبه بذلك، أو إن لم يكن صاحبُه على قيد الحياة
من الدار الخاصة به؟ وهل يجوز أن أُصَوِّرَ كتابًا من الكتب وأجمعُ منه عددًا
كبيرًا وأبيعُه؟ وهل يجوز كذلك أن أُصَوِّرَ كتابًا من الكتب ولكن لا أبيعُ، وإنَّما
أحتفِظُ به لنفسي؟ وهذه الكتب التي تحمل علامة (حقوق الطبع محفوظة)، هل
أطلبُ الإذنَ أم لا؟
فأجابت : ‹‹ لا مانع من تسجيل الأشرطة النافعة وبيعها، وتصوير الكتب
وبيعها؛ لِمَا في ذلك من الإعانة على نشر العلم، إلَّا إذا كان أصحابُها
يمنعون من ذلك، فلا بُدَّ مِن إذنِهم ››. انتهى.
من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/187).
وسُئِلَت اللجنة أيضًا: أعملُ في مجال الحاسب الآليّ، ومنذ أن بدأتُ العَملَ
في هذا المجال أقومُ بنَسخ البرامج للعمل عليها، ويتمُّ ذلك دُونَ أن أشتريَ
النُّسخَ الأصلية لهذه البرامج، عِلمًا بأنَّه توجد على هذه البرامج عباراتٌ
تحذيريةٌ من النَّسْخ، مُؤدَّاها أنَّ حقوق النسخ محفوظة، تُشبه عِبارة (حقوق
الطبع محفوظة) الموجودة على بعض الكتب، وقد يكونُ صاحِبُ البرنامج
مُسلِمًا أو كافرًا. وسُؤالي هو: هل يجوز النَّسْخُ بهذه الطريقة أم لا؟
فأجابت : ‹‹ لا يجوز نسخ البرامج التي يمنع أصحابُها نَسخَها إلَّا بإذنهم؛
لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ)، ولقوله صلَّى الله
عليه وسلَّم: (مَن سَبَقَ إلى مُباحٍ، فهو أحَقُّ به)، سواءٌ كان صاحب هذه
البرامج مُسلِمًا أو كافرًا غير حربيّ؛ لأنَّ حَقَّ الكافر غير الحربيّ مُحترمٌ كحَقِّ
المُسلم ›› . انتهى.
من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/188) .
كما صَدَرَ قرارٌ عن مَجمع الفِقه الإسلاميّ بخصوص الحقوق المعنوية،
ومِمَّا جاء فيه:
‹‹ أولاً : الاسم التجاريّ، والعنوان التجاريّ، والعلامة التجاريَّة، والتأليف
والاختراع أو الابتكار، هي حقوق خاصَّة لأصحابها، أصبح لها في العُرف
المُعاصِر قيمة مالية مُعتبَرة لتُموّل الناس لها. وهذه الحقوق يُعتدُّ بها شَرعًا،
فلا يجوز الاعتداء عليها.
. . .
ثالثًا: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شَرعًا، ولأصحابها حَقُّ
التصرُّف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها ›› انتهى باختصار .
ومِمَا لا شك فيه أن أصحاب الأشرطة والأسطوانات، قد بذلوا في إعدادها وقتًا
وجُهدًا ومالاً، وليس في الشريعة ما يمنعهم من أخذ الربح الناتج عن هذه
الأعمال، فكان المُعتدي على حَقِّهم، ظالِمًا لهم، وآكِلاً أموالهم بالباطل.
ثم إنَّه لو أُبِيحَ الاعتداءُ على هذه الحقوق، لزَهَدَت هذه الشركاتُ في الإنتاج
والاختراع والابتكار؛ لأنَّها لن تجنِيَ عائِدًا، بل قد لا تَجِدُ ما تدفعه لمُوظَّفِيها،
ولا شك أن توقف هذه الأعمال قد يمنع خيرًا كثيرًا عن الناس، فنَاسَبَ أن
يُفتِيَ أهلُ العِلم بتحريم الاعتداءِ على هذه الحقوق.
هذا هو الحُكم باعتبار الأصل، ولكن قد تَعرِضُ بعضُ الحالاتِ يَجوزُ فيها
النسخُ والتصويرُ بدون إذنِ أصحابِها، وذلك في حالَيْن:
1- إذا لم تكن موجودةً بالأسواق، للحاجة، وتكونُ للتوزيع الخيريِّ،
فلا يبيع ولا يَربح منها شيئًا.
2- إذا اشتدت الحاجةُ إليها وأصحابُها يطلبون أكثر من ثمنها، وقد
استخرجوا تكلفة برامجهم مع ربحٍ مُناسِبٍ معقول، يَعرِفُ ذلك كُلَّه أهلُ الخِبرة،
فعند ذلك إذا تعلَّقت بها مصلحةُ للمسلمين جاز نَسخُها، دَفعًا للضَّرَر،
بشَرط عدم بيعها للاستفادة الشخصيَّة.
والله المُوفِّق .
ويُمكنُكم الاتصالُ ببعض الشركات المُنتِجة، وإعلامُهم بالهدف الخيريّ
الذي تهدفون إليه؛ ليَأذَنُوا لكم في النسخ، أو يُعطوا لكم سِعرًا مُناسِبًا.
والله أعلم .
الروابط المفضلة