هم اناس بيننا... ظلمتهم الحياة كثيرا
و اغرقتهم في بحور من الالم و الحسرة...
و اشعلت في قلوبهم نارا متأججة من اليأس والقنوط..
هم اخوان شاء القدر ان يعبروا سبيل الدنيا و ارواحهم مضمخة
بالحيرة و الاسى..
وان يعيشوا حياتهم باحثين عن عالم اخر... يقدّرهم و يحترم شأنهم..
هاربين من دوامة واقع مرير... اعمى
واقع مرتكز على اسس من الخداع والرياء...
هؤلاء هم الذين نطلق عليهم لفظ "المعاقين"... الذين لا ذنب لهم في هذا الوجود...
سوى انهم ولدوا مختلفين
عنا....
و تهمتهم الوحيدة هو انهم "عاجزين"...
لكن يبدو ان الواقع قد نسي حتما ان ما هؤلاء الا بشر مثلنا...
لهم احاسيس و مشاعر دفينة بقلوبهم..
لهم طموحات و احلام وردية تدغدغ يقظتهم..
و من حقهم عيش هذه الحياة كأي انسان .. بحلوها و مرها...
و ليس من حق أي كان أن يحرمهم حقوقهم...
اليكم بهذا الخصوص هذه القصة الحزينة... المدمية للقلوب...
التي جاءت في احد الايام على لسان صديقة "مقعدة"..
اذ صادف يومها ان سألتها عن احلامها و اهدافها في المستقبل,
رغبة مني في مقاسمتها طموحاتها و امانيها...
فأجابتني بلوعة حارقة.. و عبرة خاتقة:
انا يا صديقتي الحبيبة... ليس من حقي ان احلم.. و ان اطمح
في هذه الحياة..
حتى وان تجرأت يوما ان ارى المستقبل بمنظار التفاؤل...
فانني استفيق على واقع بائس ظالم...
أمثالك هم الذين لهم الحق في السفر في اطياف لامتناهية
من الامل و الرجاء..
اذ يخططون بكل شوق للمثابرة.. والعمل... والنجاح.. والزواج...
وغيره من اسس الحياة...
اما انا... فليس امامي الا خيار واحد... وهو المكوث جالسة
على هذا الكرسي المتحرك...
والموت بين جدران سجني المظلم...
والغرق ليلا نهارا اسيرة في انهار من الدموع الملتاعة...
انني يا اختاه انسانة "معوقة" عاجزة عن فعل اسهل مقتضيات العيش..
فكيف لي ان احلم و اخطط و اطمح؟؟؟
انني بمجرد ان اخرج للشارع... تستقبلني نظرات الشفقة المزرية احيانا...
و تقذفني نظرات السخرية و النقص احيانا اخرى...
فكيف لك ان تسأليني عن امالي.. وانا اعيش متأرجحة بين الحسرة و الحزن؟؟؟
انا يا حبيبتي شأني شأن ذلك الرضيع الصغير القاصر...
الذي لا يمكن له ان ينام دون وجود يد امه وهي تدغدغه..
بل انني اشد شقاء ممن فقد اهله و احبابه..
لانني قد فقدت كل امل لي في هذه الدنيا السوداء الحالكة...
و ليس لي سوى التشبث بحبل الايمان... والصبر
ثم دخلت في نوبة مريرة من الدموع... والتنهدات اليائسة...
كانت هذه كلمات احدى هؤلاء الذين ننعتهم بالــ"معوقين"...
كلمات تأسر الفؤاد.. و تحطم مشاعر كل انسان واع...
لماذا كل هذه النظرة الدونية التي نرى هؤلاء؟؟؟
لماذا نظلمهم و نصفهم بالعاجزين.. ونحن نعلم ان المجتمع هو الذي
عجز عن استيعابهم و تأطيرهم؟؟
كيف لنا ان نصفهم بالعجز.. وهم يملكون عقولا تفكر... و قلوب تشعر
.. وارواح تتنفس؟؟
فلنقف جميعا وقفة تأمل معمقة داخل انفسنا...
و لنعمل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : [ إن الله لا ينظر
إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ] .
فكم من معاق استطاع ان ينهل من بحر العلوم و المعارف الكثير...
وكم من معاق قد اكتشف نواميس و قوانين جديدة... تسمو
بالانسانية و ترقى بها نحو الافضل...
فالاعاقة الحقيقية هي التي تصيب الدين و الاخلاق والضمير ...
حتى ان المـتأمل في القرآن الكريم سيرى ان الله تعالى قد
عاتب الرسول عليه الصلاة و السلام لانه اعرض عن عبد الله بن أم
مكتوم ذلك الأعمى الذي حضر له.. فأعرض عنه رسول الله صلى الله
عليه وسلم لانشغاله بدعوة كفار مكة
فجاء عتاب الله لنبيه
[عبس وتولى ، أن جاءه الأعمى ....]
وبهذه الايات الكريمة.. نلتمس مدى قيمة مكانة العاجز عند
الله تعالى الذي عاتب الرسول لمجرد انشغاله عن ضيفه الاعمى...
فمابالك بالسخرية و الالم الذين يلحقهما المجتمع اليوم بهؤلاء؟؟
يا من يسخر ممن عجز عن المشي او السمع... تذكر ان الله
يقول [ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ..]
فبأي حق تسخر من انسان ذنبه الوحيد انه ولد بإعاقة في جسده؟؟
ثم لا تنسى ان الله يمهل ولا يهمل.. وان الزمن طويل...
وبامكان كل شيء ان ينقلب في لحظات.. دون ان تدري
فكم من صحيح.. وجد نفسه بين عشية وضحاها مقعدا عاجزا...
ويا ايها المعاق... لا تحزن واصبر واعلم ان الله تعالى معك اينما كنت...
واعلم ان كل شيء في هذه الحياة زائل.. وكل ما على الارض فان...
ولا يبقى سوى العمل الصالح.. والكلمة الطيبة
وتذكر قول الرسول عليه الصلاة و السلام
[ أيها الناس ، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ،
ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى،
خيركم عند الله أتقاكم ]
ولنعلم جميعا ان المعاق هو معاق الاخلاق وليس معاق الجسد..
المعاق الحقيقي هو من تستهويه المظاهر الخادعة الزائفة...
هو من يلهث وراء اهوائه و غرائزه الوضيعة... و يهدر كرامته بحثا عن المال والمصالح
الشخصية الدنيئة ..
فالله تعالى يقول { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في
الصدور }
الروابط المفضلة