ماتت .. ومات الحياء معها


” رحمها الله ليست القصة لامرأة من القرون الماضية .. بل إنها والدتي !! قلت باستغراب .. إذاً هذا منذ ثلاثين سنة أو تزيد؟! قالت: بل منذ عشر سنوات أو أقل ؟!
لازلت أتذكر ذلك اليوم عندما أرادت أختي الوسطى أن تتزوج ..عزمت على والدتي أن تذهب معها للسوق وأصرت على ذلك وقالت لها: سنذهب يا أمي إلى عدد محدود من المحلات، لن تطول وقفتنا في الأسواق سوى نصف ساعة أو تزيد قليلاً .. وبعد إلحاح وافقت على تردد.. وكان ذلك اليوم الذي ذهبنا فيه .. احمر وجه والدتي -وهي امرأة كبيرة- وتثاقلت خطواتها وكأنها تساق إلى الموت تفقدت عباءتها وكيف تسير !! سال عرقها واقشعر جلدها ويبس لسانه .. وأخذنا ما نراه بضحكة خافتة وابتسامة عريضة .. لم يفتر لسانها طوال الطريق من الدعاء والتسبيح والتهليل .. وعندما دلفنا إلى بائع الأقمشة سألته أختي بكم هذا ؟! وجه الحديث نحو والدتي ومد يده نحوها بقطعة قماش !! خرجت والدتي وهربت من المحل وتبعتها أختي وقالت لها وهي تخفي دمعة في عينها لا أقبل أن أحادث الرجال .. أو أن يقترب مني !! خرجت ولم تعد مرة أخرى .. إنها المرة الأولى والأخيرة!!

رحمها الله ماتت .. ومات الحياء معها ,, ودفنت ودفن العفاف في قبرها .. ما دخلت سوقاً ولا حادثت رجلاً أجنبياً .. وما ضرها ذلك شيئاً .. وما نقص من منزلها قدراً .. بل كانت ملء السمع والبصر .. تقديرٌ من الجميع .. ومحبة من الصغير والكبير .. الكل يبحث عن رضاها ويلبي حاجتها.. لم تفكر في حذاء أو فستان .. ولم تعرف الموضة والأزياء .. ولكنها نظرت بعيداً .. فعمرت القبر وبنت الدار كان وقتها صلاح وطاعة .. وصيام وعبادة.. رحلت … وتركت لكن الفساتين والحلي !!

قد يعجبك أيضاً ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *