محمد صلى الله عليه وسلم كأنك تراه _ للشيخ عائض القرني

محمد صلى الله عليه وسلم …

هو جميل الصفات مشرق المحيا قريب من القلوب حبيب إلى الأرواح سهل الخليقة ميسر الطريقة

مبارك الحال تعلوه مهابة وترافقه جلالة على وجهه نور الرسالة وعلى ثغره بسمة المحبة

حي القلب ذكي الخاطر عظيم الفطنة سديد الرأي ريان المشاعر بالخير يسعد به جليسه وينعم به رفيقه

ويرتاح له صاحبه يحب الفأل ويكره الطيرة يعفو ويصفح ويسخو ويمنح أجود من الريح المرسلة

وأكرم من الغيث الهاطل وأبهى من البدر وسع الناس بأخلاقه وطوق الرجال بكرمه واسعد البشرية بدعوته

من رآه أحبه ومن عرفه هابه ومن داخله اجله كلامه يأخذ بالقلوب وسجاياه تأسر الأرواح

محمد صلى الله عليه وسلم صادقا:

فهو صادق مع ربه صادق مع نفسه صادق مع الناس صادق مع أهله صادق مع أعدائه

فلو كان الصدق رجلا لكان محمد صلى الله عليه وسلم وهل يُتعلم الصدق إلا منه بابي هو وأمي؟

وهل ينقل الصدق إلا عنه بنفسي هو؟ فهو الصادق الأمين في الجاهلية قبل الإسلام والرسالة

فكيف حاله بالله بعد الوحي و الهداية ونزول جبريل عليه ونبوته

وإكرام الله له بالاصطفاء والاجتباء والاختيار؟!

محمد صلى الله عليه وسلم صابرا:

مات عمه فصبر وماتت زوجته فصبر وقتل حمزة فصبر وابعد من مكة فصبر وتوفي ابنه فصبر

ورُميت زوجته الطاهرة فصبر وكُذب فصبر قالوا له شاعر كاهن ساحر مجنون كاذب مفتر فصبر

أخرجوه آذوه شتموه سبوه حاربوه سجنوه فصبر فهل يُتعلم الصبر إلا منه؟ وهل يُقتدى بأحد في الصبر إلا به؟

فهو مضرب المثل في سعة الصدر وجليل الصبر وعظيم التجمل وثبات القلب

وهو إمام الصابرين وقدوة الشاكرين صلى الله عليه وسلم.

محمد صلى الله عليه وسلم جوادا:

يعطي صلى الله عليه وسلم عطاء من لا يخشى الفقر لأنه بعث بمكارم الأخلاق فهو سيد الاجواد على الإطلاق

أعطى غنما بين جبلين وأعطى كل رئيس قبيلة من العرب مائة ناقة وسأله سائل ثوبه الذي يلبسه فخلعه وأعطاه

وكان لايرد طالب حاجة وقد وسع الناس بره وطعامه مبذول وكفه مدرار وصدره واسع وخلقه سهل ووجهه بسام

ما قال (لا) قط إلا في تشهده……………لولا التشهد كانت لاؤه نعم

محمد صلى الله عليه وسلم شجاعا:

ونام الناس ليلة بدر وما نام هو صلى الله عليه وسلم بل قام يصلي ويدعو ويتضرع ويتوسل إلى ربه

ويسأله نصره وتأييده فياله من إمام ما أشجعه ! لايقوم لغضبه احد ولا يبلغ مبلغه في ثبات الجأش

وقوة القلب مخلوق فهو الشجاع الفريد والصنديد الوحيد الذي كملت فيه صفات الشجاعة

وتمت فيه سجايا الإقدام وقوة البأس وهو القائل

(( والذي نفسي بيده لوددت أنني اقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم اقتل ))

محمد صلى الله عليه وسلم متواضعا:

كان يكره المدح وينهى عن إطرائه ويقول:

( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبدالله ورسوله فقولوا عبد الله ورسوله))

وكان ينهى أن يقام له وان يوقف على رأسه وكان يجلس حيث انتهى به المجلس

وكان يختلط بالناس كأنه احدهم ويجيب الدعوة ويقول :

“لو دعيت إلى كراع لأجبت , ولو اهدي إلي ذراع لقبلت”

وكان يحمل حاجة أهله ويخصف نعله ويرقع ثوبه ويكنس بيته ويحلب شاته ويقطع اللحم مع أهله

ويقرب الطعام لضيفه ويباسط زواره ويسال عن أخبارهم ويتناوب ركوب الراحلة مع رفيقه

ويلبس الصوف ويأكل الشعير وربما مشى حافيا وينام في المسجد ويركب الحمار ويردف على الدابة

ويعاون الضيف ويتفقد السرية ويكون في آخرهم ويرافق الوحيد منهم…

محمد صلى الله عليه وسلم حليما:

كان مع أهله احلم الناس يمازحهم ويلاطفهم ويعفو عنهم فيما صدر منهم ويدخل عليهم بساما ضحاكا

يملأ بيوتهم وقلوبهم أنسا وسعادة يقول خادمه انس بن مالك: خدمت رسول الله عشر سنين

ماقال لي في شيء فعلته لمَ فعلت هذا ؟ ولا في شيء لم افعله : لمَ لم تفعل هذا ؟

وهذا غاية الحلم ونهاية حسن الخلق وقمة جميل السجايا ولطيف العشرة

بل كان كل من رافقه أو صاحبه أو بايعه يجد من لطفه ووده وحلمه ما يفوق الوصف

حتى تمكن حبه من القلوب فتعلقت به الأرواح ومالت له نفوس الناس بالكلية.

محمد صلى الله عليه وسلم رحيما :

كانت رحمته على القريب والبعيد عزيز عليه أن يدخل على الناس مشقه فكان يخفف بالناس مراعاة لأحوالهم

وربما أراد أن يطيل في الصلاة فيسمع بكاء الطفل فيخفف لئلا يشق على أمه

ولما بكت امامة بنت زينب ابنته حملها وهو يصلي بالناس فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها

وسجد مرة أخرى فصعد الحسن على ظهره فأطال السجود فلما سلم اعتذر للناس وقال :

” إن ابني هذا ارتحلني فكرهت أن ارفع راسي حتى ينزل “

فهو سهل ميسر رحيم في رسالته ودعوته وعبادته وصلاته وصومه وطعامه وشرابه ولباسه وحله وترحاله

وأخلاقه بل حياته مبنية على اليسر لأنه جاء لوضع الآصار والأغلال عن الأمة فليس اليسر أصلا إلا معه

ولا يوجد اليسر إلا في شريعته فهو اليسر كله وهو الرحمة والرفق بنفسه صلى الله عليه وسلم

محمد صلى الله عليه وسلم ذاكرا :

كان أكثر الناس ذكرا لربه حياته كلها ذكر لمولاه فدعوته ذكر وخطبه ذكر ومواعظه ذكر وعبادته ذكر

وجهاده ذكر وفتاويه ذكر وليله ونهاره وسفره وإقامته بل أنفاسه كلها ذكر لمولاه عز وجل

فقلبه معلق بربه تنام عينه ولا ينام قلبه بل النظر إليه يذكر الناس بربهم

وكل مراسيم حياته ومناسباته ذكر لخالقه جل في علاه

الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن

(( يا أيها النبي حسبك الله ))

حسبك الله يكفيك ما أهمك فيحفظك في الأزمات ويرعاك في الملمات ويحميك في المدلهمات

فلا تخشَ ولا تخف ولا تحزن ولا تقلق

حسبك الله فهو ناصرك على كل عدو ومظهرك على كل خصم ومؤيدك في كل أمر

يعطيك إذا سالت ويغفر لك إذا استغفرت ويزيدك إذا شكرت ويذكرك إذا ذكرت وينصرك إذا حاربت

ويوفقك إذا حكمت

إذا أبطأ النصر وتأخر الفتح واشتد الكرب وثقل الحمل وادلهم الخطب فلا تحزن لان حسبك الله

أنت محفوظ لأنك بأعيننا وأنت محروس لأنك خليلنا

وأنت في رعايتنا لانك رسولنا وأنت في حمايتنا لانك عبد الله المجتبى ونبينا المصطفى.

((لاتحزن إن الله معنا))

هذه الكلمة الجميلة الشجاعة قالها صلى الله عليه وسلم وهو في الغار مع صاحبه أبي بكر الصديق

وقد أحاط بهم الكفار فقالها قوية في حزم صادقة في عزم صارمة في جزم : ((لاتحزن إن الله معنا ))

فما دام أن الله معنا فلمَ الحزن ولمَ الخوف ولمَ القلق اسكن….اثبت…. اهدأ…اطمئن…لان الله معنا .

ما اضعف عدونا وما أذل خصمنا وما أحقر من حاربنا ما اجبن من قاتلنا لان الله معنا

نحن الأكثرون الأكرمون المنصورون الأعلون الاعزون لان الله معنا

غدا سوف تعلو رسالتنا وتظهر دعوتنا وتسمع كلمتنا لان الله معنا

((وانك لعلى خلق عظيم ))

والله انك لعظيم الأخلاق كريم السجايا مهذب الطباع نقي الفطرة

والله انك جم الحياء حي العاطفة جميل السيرة طاهر السريرة

والله انك قمة الفضائل ومنبع الجحود ومطلع الخير وغاية الإحسان

وانك لعلى خلق عظيم يظلمونك فتصبر يؤذونك فتغفر يشتمونك فتحلم يسبونك فتعفو يجفونك فتصفح

وانك لعلى خلق عظيم

يحبك الملك والمملوك والصغير والكبير والرجل والمرأة والغني والفقير والقريب والبعيد

لانك ملكت القلوب بعطفك وأسرت الأرواح بفضلك وطوقت الأعناق بكرمك

وانك لعلى خلق عظيم هذبك الوحي وعلمك جبريل وهداك ربك وصاحبتك العناية ورافقتك الرعاية وحالفك التوفيق

وانك لعلى خلق عظيم

البسمة على محياك البشر على طلعتك النور على جبينك الحب في قلبك الجود في يدك البركة فيك الفوز معك

وانك لعلى خلق عظيم

لاتكذب ولو أن السيف على راسك ولا تخون ولو حزت الدنيا ولا تغدر ولو أعطيت الملك

لانك نبي معصوم وإمام قدوة وأسوة حسنة..

وانك لعلى خلق عظيم

سبقت العالم ديانة وأمانة وصيانة ورزانة وتفوقت على الكل علما وحلما وكرما ونبلا وشجاعة وتضحية

((ما أنت بنعمة ربك بمجنون))

لست مجنونا كما قال أعداؤك لكن عندك دواء المجانين فالمجنون الطائش والسفيه التافه

من خالفك وعصاك وحاربك وجفاك

ما أنت بنعمة ربك بمجنون

وكيف يكون ذلك وأنت أكملهم عقلا وأتمهم رشدا وأسدهم رأيا وأعظمهم حكمة واجلهم بصيرة

كذب وافترى من وصفك بالجنون وقد ملأت ا الأرض حكمة والدنيا رشدا والعالم عدلا

فأين يوجد الرشد إلا عندك؟ وأين تكون الحكمة إلا لديك؟ وأين تحل البركة إلا معك؟

أنت أعقل العقلاء وأفضل النبلاء واجل الحكماء كيف يكون محمد مجنونا وقد قدم للبشرية أحسن تراث على وجه الأرض

وأهدى للعالم اجل تركة عرفها الناس وأعطى الكون ابرك رسالة عرفها العقلاء

أخوك عيسى دعا ميتا فقام له … وأنت أحييت أجيالا من الرمم

فصلى الله عليه وسلم ما تحرك بذكره اللسان وسارت بأخباره الركبان وردد حديثه الإنس والجان

من كتاب (محمد صلى الله عليه وسلم كأنك تراه)

للشيخ الدكتور :عائض القرني

نقلته الأخت الفاضلة / * ناصحة *

قد يعجبك أيضاً ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *