اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ

حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وما أعظمها من حياة
لو فكر أحدنا أن يسرُدَها في شكل قصة..



لكانت أروعَ قصة.. لأن حياتَهُ مليئة بالأحداث والعبر والمفاجآت..
ولكنـ ها أعظم من أن تكون قصة..

ولو فكر أحدُنا أن يُؤَرخَ هذه الحياة..
لَكانت تأريخا لأحداثٍ لم يعرف التاريخُ مثلها..
لأنهُ صلى الله عليه وسلم.. أعظم من عُرِفَ في التاريخ..
ولكنـ ـهُ أسمى من أن يكون تاريخا..



سيرتهُ غير ما أَلَّفَ الناسُ من سِيَرْ
ولكن سنتركُ التأريخ والسرد القصصي..
ونذكرُ محمدا صلوات الله عليه.. مِثلما تشتاقُ أرواحُنا إلى ذِكرِه.. وكما نُحِبُّ أن نَتحدَّثََ عنه..



سماهُ الله محمدًا .. ليلتقِي الاسمُ والفعل، ويَتطابقَ الاسمُ والمُسَمَّى.. في الصورةِ والمعنى



وشَقَّ لهُ من اسمهِ ليُجِلَّهُ *** فَذُو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ



شبَّ الحبيبُ والله يحفظهُ ويُحيطُهُ من أقذارِ الجاهلية.. لما يُريدُ به من كرامتهِ ورسالتِهحتى بلغَ أن كان أفضلََ قومِهِ مروءة.. وأحسنُهم خُلُقَا.. وأكرمُهُم حَسَبَا..وأحسنُهم جِوارا.. وأعظمُهُم حِلْمَا.. وأصدَقُهُم حديثا.. وأعظمُهُم أمانة.. وأبعدُهُم عن الفُحش..حتى ما أَسماهُ قومُهُ إلا “الأمين”



كانت حياته قبل البعثةِ هادئة صافية
فهو ابنُ الصحراء..
والصحراء تَطبعُ أهلها بالصفاء..
وتَغرِِسُ في أبنائِها حُب الحرية.. وحُب الشجاعة.. وحُب الكرم.. وحُب السخاء..



أما عن السُّلالة..
فهو ابنُ إبراهيم خليلُ الله.. ابنُ اسماعيل ذبيحُ الله.. ابنُ قريش سادةُ العرب.. ابنُ بني هاشم سادةُ قريش
كريمُ الأصل وكريمُ المنبت..
فهو الشجرة الطيبة في الأرض الطيبة
وما من شيء يقربه من الانسانية ويُبعدُهُ عن الكبرِ والجبروت، إلا سلكَ الله بهِ إليهِ سبيلا..



بعثهُ الله رحمةً للعالمين.. وللناسِ كافةً بشيراَ..
ومن قبلِ ذلك.. أخذَ ميثاقًا على كل نبي بعثهُ قبلهُ.. للإيمانِ به، والتصديقِ له..
وأن يُؤدُّوا ذلك إلى كل من آمن بهم وصدَّقهُم..



(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)
آل عمران/81


( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم/ 4
شهادةٌ من ربه جل في عُلاه.. وكَفَى بها فَضْلَا



(وكان خُلُقه القرآن) -الألباني/ صحيح الجامع/ 4811



شهادة من أقربِ الناس إليه، عائشة رضي الله عنها وأرضاها..

حفِظهُ الله من كل خُلُقٍ رديء.. لأنه منذُ الأَزَل مُرَشَّحٌ لإصلاحِ العالم.. مُهَيَّأٌ لإسعادِ البشرية.. مُعَدٌّ بعناية لإخراجِ الناسِ من الظلماتِ إلى النور



فهو الرجل لكن النبي، والإنسان لكن الرسول، والعبد لكن المعصوم، والبشر لكن الموحى إليه
سجيته العفة والمروءة والأمانة والفصاحة..
لم يكن يكذِبُ كِذبَةً واحدة، ولم تُعْلَم لهُ عَثرَةً واحدة ولا زَلَّةً واحدة ولا مَنقَصَةً واحدة
لم يستطع أعداؤُه حِفظَ زلةٍ عليه.. مع ترصُّدِهِم ذلك.. ومع شدةِ عداوتِهِم وعظيمِ مكرهِم وضراوةِ حِقدِهِم..
ولم يَعثُرُوا في ملف خُلُقِهِ الكريم على ما يَعِيبُه..
بل كان مُستودَعَ أماناتِهم ومردَّ آرائهِم ومَرجَعَ مُحاكماتِهِم ومَضربَ أمثالِهِم في البرِّ والسموِّ والرُّشدِ والفَصَاحة



(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم/4
وهكذا كان..



كم أَثنَى اللهُ على خُلُقٍ *** في أحمدَ أَصدقِ منْ صَدَقَا



وبُعِثَ النُّور.. ونَزَلَ غَيثُ الخير والبركة على الدنيا بِأكملِها..
وجاء أمرُ الله بأداءِ الرسالة..


قال صلى الله عليه وسلم:” مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث” (أخرجه البخاري 79، ومسلم 2282 عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه)


إرساء القاعدة.. قاعدة لا إله إلا الله محمد رسول الله.. كانت هي الغاية
والشريعة السمحاء كانت هي الوسيلة..
ومسالِكُها.. تطهير هذه الدنيا من أَدرانِها وخَبَثِها..
والسلوك بالبشرية من ضيق الدنيا الى سِعةِ الآخرة، ومن ظُلماتِ الشرك الى نورِ التوحيد، ومن شَقاءِ الكُفر إلى سعادةِ الإيمان..
وطرد الجهل.. ومحاربة الظلم.. وإزهاق الباطل.. ونفي الرذيلة



وكان دَيْدَنُهُ في ذلك كله.. مَكَارِمُ الأخلاق.. ومَحَاسِنُ الطباع.. ومَجَامِعُ الفضيلة.. وجَوَامِعِ الكلم..



قال صلى الله عليه وسلم: ( إنما بُعِثتُ لأتممَ مكارمَ الأخلاق ) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 20571



أَدَّبهُ الله فأحسنَ تأديبَه.. ومن كُل بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبْلَاه..
فكان أَحسَنَ الناسِ نسبًا وخُلقًا ودينًا..



قد أَدَّبَ رَبِّي مُرْسَلَهُ *** هوَ أكرَمُ مَنْ رَبِّي خَلَقَا


كان في دعوتِهِ الناسَ إلى هذا الدين..جميلَ الصفات مُشرِقَ المحُيَّا.. قريبٌ من القلوب.. حبيبٌ إلى الأرواح..
لا تُفارقُ ثغرهُ البَسمة.. مع ما كان يَعلُو وجههُ من جلالةٍ ومهابة..
وَسِعَ الناسَ بأخلاقِه.. وأَسعَدَ البشريةَ بدعوتِه


ثبّتَ الله قلبَه.. وسدّدَ كلامَه.. وحفِظَ عينَه.. وحصّن لسانَه.. وتَوَلَّى أمره.. فهو محفوظٌ مُبارك


يقول عليه الصلاة والسلام: ( إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا) عن عائشة رضي الله عنها..صحيح البخاري/رقم 20



وانظر معي إلى قول الله سبحانه وتعالى في حق من بعثهم برسالاته إلى البشرية..



(… اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ…) سورة الأنعام/ جزء من آية 124

فدتهُ دماءُ أصحابهِ وأتباعِه..
وحنَّتْ إليهِ قلوبُ إخوانِه وقد أُشْرِبَت بحُبهِ وهامَت شوقاً إليه..
حتى الجذعُ الجماد الذي لا يعقِل.. أَنَّ لذكراه..


يا حبيبي يا رسول الله..

نُحبكَ ونشتاقُ إليك ونَحِنُّ إلى رؤيتك وصحبتِك في الجنة..
نَتحسرُ على فواتِ شرفِ صحبتكَ ورِفقَتِكَ في الدنيا..
وعزاؤُنا وَعدُ الله بأن يَسعدَ بِلقائِكَ كُلُّ منِ اتبعَ سُنَّتَك..


قلوبنا تنفطِرُ عند سماعِ سيرتك..
أنتَ.. يا خيرُ من وطِئَت قَدَماهُ الثَّرَى..
يا حبيبَ من في السماواتِ ومن في الأرض..
يا مُنقِذَ هذهِ الأمَّة..
يا من أكرمكَ اللهُ بأن بعثَكَ إلينا لتسلُكَ بنا شِعابَ هذهِ الدنيا.. لِتَرسُو بِنا في جناتِ النعيم..


لقد أحبنا الله حين بعثكَ إلينا..
ورحِمنا بِكَ في الدنيا.. ويَرحَمُنا بكَ يومَ الحشرِ على ضِفافِ الكوثر وفي العرضِ عليهِ بشفاعتِكَ فينا..


اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم
في العالمين.. إنك حميد مجيد

بقلم السَّــلوى~

قد يعجبك أيضاً ...