أطفئ نيـران قلبك
عاد –صلى الله عليه وسلم- إلى بيته حتى دنا من حجراته، وما نظن إلا أنه كان كالاًّ بعد يوم مثل كل أيامه يقضيه في دعوته وبلاغ رسالته، وأنه عاد مجهود البدن مجهود النفس بعد أن بذل للناس خلقه وبشره، وفضله وبره، ثم عاد إلى بيته أحوج ما يكون إلى مستراحه وأنسه ليريح بدنه ونفسه.
كان –صلى الله عليه وسلم- يسير وقد ارتدى برداء نجراني غليظ الحاشية أداره على عنقه وألقى فضله على منكبه، حتى إذا وصل إلى حجرته وكاد أن يدخلها، إذا أعرابي من أهل البادية يسارع إليه حتى إذا أدركه جذب طرف ردائه من خلفه جذبة شديدة فاجأت النبي –صلى الله عليه وسلم-
أ- اختل توازن النبي –صلى الله عليه وسلم- فتقهقر إلى الخلف حتى رجع في نحر الأعرابي.
ب- انشق الرداء من أثر شدة الجذبة الأعرابية.
ج- غاصت حاشية الرداء في عنق النبي –صلى الله عليه وسلم- فجعل أنس ينظر عنق النبي –صلى الله عليه وسلم- وكان عنقه أبيض وضيئاً كأنه إبريق فضة- فإذا حاشية الرداء قد أثرت في صفحة عنقه –صلى الله عليه وسلم- من شدة جذبة الأعرابي.
لقد كان المتوقع حينئذ أن يمتقع الأعرابي لما جرى، وأن يعتذر عما حدث، وأن يتلطف للنبي –صلى الله عليه وسلم- طالباً عفوه، ولكن هذا ليس الذي جرى فقد نادى النبي –صلى الله عليه وسلم قائلاً: يا محمد.
إنه نداء بجفاء فالله يقول:”لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً“.
ثم طلب فقال: أعطني من مال الله الذي عندك. إنه الجفاء في المسألة أيضاً.
كثّف هذه الصورة في ذهنك وتخيل أي حريق من الغضب يكفي واحد منها لإشعاله في القلب فكيف بها مجتمعه، فكر في ردة الفعل المتوقعة لهذه المثيرات المتتابعة.
ننتهي من رواية هذه القصة
لكن نبيك –صلى الله عليه وسلم- لم يكن يتعامل مع المثيرات بقانون الفيزياء (لكل فعل ردة فعل مساوية في القوة، معاكسة في الاتجاه) ولكنه كان يتعامل بقانون آخر، إنه قانون العظمة الأخلاقية (وإنك لعلى خلق عظيم).
إن أشد ما يبهرك في تجاوب النبي –صلى الله عليه وسلم-
إن التروي من هذا الدرس النبوي يطفئ نيران الغضب في القلوب، ويسكب السكينة في النفوس، ويجعل زمام انفعالاتنا بأيدينا بدل أن تكون أفعالنا بيد انفعالاتنا.
2- إن الذي يقول لمن قال له أوصني: (لا تغضب)، فيكررها مراراً فيقول : (لا تغضب)، والذي يقول:”إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب” هو –صلى الله عليه وسلم- الذي يستثار هذه الاستثارة فلا يغضب، ويملك نفسه أيما تملك عند مثيرات الغضب.
إنه التناغم الرائع بين الدعوة والقدوة، والأقوال والأفعال، ليتحقق من ذلك التكامل المبهر في شخصية النبي –صلى الله عليه وسلم-