
هل تعلمون ما معنى أن يكون الإنسان «سليم الصدر»؟، إن معنى ذلك أيها الأحبة أن يكون المسلم قد أصبح في عافيةٍ من أمراض الغلّ والحقد والحسد، ونيَّة السوء، وسوء الظن، وقصد الإساءة إلى الآخرين.
أتدرون إلى أيِّ غاية توِّصل «سلامة الصدر»؟، إنها توصِّل إلى الجنَّة مباشرةً، نعم، هكذا أخبرنا ربُّنا عزَّ وجل في كتابه، وأخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم.
مسألةٌ ثابتةٌ لا مجال للشك فيها، كن مسلماً مطيعاً لرِّبك، مقتدياً برسولك «سليم الصدر»، تدخل الجنَّةَ.
أرأيتم كيف تكون «سلامةُ الصدر» نعمةً عظيمةً وثروةً جليلةً، وكيف لاتكون كذلك وهي توصِّل إلى «الجنَّة» التي نُدَنْدِنُ جميعاً حولها؟
تعالوا معي أيها الأحبة إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نتابع هذه المشهد العجيب، في لحظةٍ كشف الله سبحانه وتعالى فيها لنبيّه صورةً من صور الغيب قال لأصحابه «يطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنَّة»، لاحظوا معي تلك الأنظار التي اتجهت إلى المكان الذي أشار إليه الرسول عليه الصلاة والسلام، إنها تتطلَّع إلى ذلك القادم بشغفٍ وشوق، وكل قلبٍ في تلك اللحظة يخفق، وكل نفسٍ تسأل: يا تري من هو ذلك الفائز بهذه البشارة العظيمة.
الجنَّة؟ نعم أيها الأحبة الجنَّة التي عرضها السماوات والأرض أعدِّت للمتقين، خبر عظيم، وبشارة ليست كغيرها من البشارات، من الذي سيطلع من تلك الجهة التي أشار إليها الذي لا ينطق عن الهوى؟؟ هل سيكون واحداً من كبار الصحابة، أو من وجهاء القوم، أو من سادات العرب وعظمائهم..؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تتوارد، وإلى الذهن تتوافد.
«رجل من أهل الجنة» وكفى، نريد أن يطلع علينا الآن لنرى وجهه الذي سيشرق هناك في جنَّات النعيم.. ودخل الرجل، مَنْ هو يا تُرَى؟، ها هي ذي عيون الصحابة رضي الله عنهم تنظر إليه بإجلال وغبطةٍ وكأن كلَّ نظرة منها تهنئه على هذا الفضل العظيم.
«رجل من أهل الجنَّة»، يا لها من بشارة عظيمة، لا مجال للشك فيها لأنَّ الذي بشَّر بها هو محمد صلى الله عليه وسلم وهو لا ينطق عن الهوى.
مَن الرجل الذي طلع على الجالسين؟: «رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه، قد تعلَّق نعليه في يده الشِّمال» سبحان الله العظيم ، هذه الأوصاف لا تدل على أن للرجل شأناً دنيوياً كبيراً فهو «رجلٌ من الأنصار»، لم يقل الحديث هو «فلان بن فلان» صاحب المكانة الفلانية بين أهل الدنيا، وإنما قال: «رجل من الأنصار»، ثم وصفه بقوله: تَنْطُفُ لحيته من وضوئه، ماذا تعني كلمة «تنطف» تقول لنا لغتنا الخالدة: نَطَفَ: النُّطْفَة»: الماء الصافي قلَّ أو كثر، والجمع «نِطَاف»، ونَطَفَ الماءُ سال أو قطر، فمعنى تنطف «تقطر ماءً»، ويا لها من صورة رائعة لرجل يدخل المسجد ليقف بين يدي الله، أما الصفة الأخرى فهي تدلُّ على رجلٍ من عامة الناس، ليس بذي شأن دنيوي فيهم «قد تعلَّق نعليه في يده الشمال»، ولكنها صفة رجل جديرٍ بالاهتمام الكبير، لأنه «من أهل الجنة».
هنا، تاقت نفس الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما إلى معرفة خصائص هذا الرجل الذي بشره الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة ثلاثَ مرَّات على مدى ثلاثة أيَّام.
وتابع عبدالله الرجل وبات عنده ثلاث ليالٍ، وكانت النتيجة مدهشة له، لم يجد أن الرجل كثير صيام ولا صلاة، فما السبب يا تُرى في فوزه بالبشارة؟؟
تأملوا معي أيها الأحبة السبب الذي لخصه الرجل في كلمات: «غير أني لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خيرٍ أعطاه الله إياه» يا لها من كلمات قلائل، ولكنها تشير إلى أمرٍ عظيم جداً، تشير إلى «سلامة الصدر»، وما أدراكم ما سلامة الصدر؟؟
قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب صدوق اللسان» قيل: «صدوق اللسان نعرفه يا رسول الله، فما مخموم القلب؟، قال عليه الصلاة والسلام «هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غلّ ولا حسد».
إنها «سلامة الصدر» وكفى.
إشارة
أمَّاه ما قيمة الدنيا إذا عصفَتْ
بها الظنون وصار المرءُ حَيْرانا
سلامة الصدر
عبدالرحمن صالح العشماوي

تعليق