أنتم أمة الوسط وأنتم وسط بين اليهود الذين قتلوا الأنبياء وبين النصارى الذين عبدوهم إذ أنكم أطعتموهم واتبعتموهم، وأنتم وسط في الزمان فما جئتم في أول الزمان فلا تجارب ولا تأريخ وما جئتم في ذيل الدهر بل سبقكم أمم وجاء بعدكم أجيال واعتبرتم بالسابقين وأفدتم اللاحقين ، ووسط أنتم في المكان فلستم في زوايا الأرض ولا في أطراف الدنيا بل كنتم في قلب المعمورة فدينكم شع من أم القرى توزعون الهداية على الناس ، وأنتم وسط في الديانة فلم تعبدوا كل شيء من حجر وشجر ومدر كما فعل المشركون ولم ترفضوا العبادة جملة وتفصيلا كما فعلت بعض الأمم بل عبدتم الواحد القهار ووحدتم العزيز الغفار، ووسط انتم في المعيشة قلم تفعلوا فعل اليهود في البذخ والإسراف والانهماك في اللذائذ وتصيد الشهوات ولم تفعلوا فعل النصارى في الرهبانية والانقطاع والتبتل وعذاب النفس بل أعطيتم الجسم حظه والروح حقها، ووسط أنتم في الفنون فلم تفعلوا ما فعل فارس إذ كانت حياتهم هوايات وتسليات ولا فعل الروم إذ جردوا حياتهم من كل ممتع بهيج بل لكم الجمال المباح والسحر الحلال من الأقوال والنافع المفيد من مباهج الحياة. وانتم وسط في الأخلاق فلم تفعلوا فعل الأمم العدوانية المتوحشة الذين بغوا وطغوا وفتكوا ولم تنهجوا نهج من استسلم لخصمه وذل لعدوه وقال من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر بل عندكم صفح وحلم عمن يستحق وتأديب وقصاص لمن يعتدي والكل له قدر، وأنتم وسط في باب العلم ، فلم تجعلوا العلم مقصودا لذاته كما فعل اليونان ولم تهملوه وتضيعوه فعل الأمم البليدة التي غلب عليها الغباء بل جعلتم العلم وسيلةإلى كل فضيلة وطريقا إلى صلاح الدنيا والآخرةوالفلاح في الدارين ، ووسط انتم في العبادة فماأعرضتم عم النسك فعل الفجرة الجفاة وما شققتم على نفوسكم وعذبتم أرواحكم فعل أهل الصوامع الغلاة بل اقتصدتم في العبادة مع الحسن واعتدلتم في النسك مع الجودة ، ووسط أنتم في التفكير فما همتم مع الخيال فعل الشعراء الذين هم في أودية الوهم هائمون وما جمدتم جمود الفلاسفة الذين قتلوا العواطف وعطلوا المشاعر حتى جفت نفوسهم وقست قلوبهم بل أنتم مع الحقيقة سائرون فجمعتم بين القوة والرحمة والواقعية والجمال والنص والمعنى فأنتم وسط بين طرفين وحسنة بين سيئتين ونجاة بين مهلكتين. والحمد لله رب العالمين.
نقلا عن منتدى الوسطية والمقال للشيخ عايض القرني
------------------
قال تعالى
قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعني
الروابط المفضلة