(1)
أُمّـيّـة ُ الأخلاق
في الحرم ِ المكي ّ الشريف ِ كنت ُ كما الآلاف ُ غيري أنتظر ُ إقامة َ صلاة ِ المغـرب ..
كانت ْ كل ّ امرأة ٍ قد ْ أخذت ْ موقعَـها للصلاة ِ بعد َ جهد ٍ جهيد ..
فازدحام ُ المكان ِ فاق َ كل وصف ...
بالقرب ِ مني جلست ْ امرأة ٌومعها طفل ٌ صغير ..
وقبل َ أن ْ تُـقام َ الصلاة ُ ناولت ْ صغيرها علبة ً من َ الحليب ِ ليشرب ..
لكن ّ الطفل َ الذي تجاوز َ الرابعة َ من ْ عمره ِ لم ْ يشرب ِ الحليب .. بل ْ سكبَـه ُعلى الأرض ِ عن ْ قصد ..
فماذا كان َ موقف ُ الأم ّ الجاهلة ؟!!
لم ْ توبّـخ ْ طفلها ولم ْ تضربه !! ولم ْ تكلّـف ْ نفسها عـناء َتنظيف ِ المكان ِ الغارق ِ بالحليب !!
بل ْ هي َ حتى لم ْ ترفع ْ علبة َ الحليب ِعن ِ الأرض ِ لرميها في القمامة !!
كل ّ ما فعلتْـه ُهو أنها حمَـلت ْ طفلها و غـادرت ِ المكان ..!!
وكأن ّ شيئا ً لم ْ يكن ..!!
اضطرت ْ أكثر ُ من ْ امرأة ٍ لمُـغادرة ِ المكان ِ الذي لم ْ يعُـد ْ صالحا ً للصلاة ..
وكانت ْ إحداهن ّ قد ْ تلطخت ْ ملابسُها بالحليب ِ وسمعتها تدعو على الأم ّ بلغتها الأعجميّـة ..
ورأيت ُ أكثر َ من ْ امرأة ٍ تدوس ُ على الحليب ِ دون َ أن ْ تنتبه َ فـتُـتـمتِم ُ بدعـوَات ٍ على مَن ْ تسببت ْ بالقذارة ..
ثم ّ كادت ْ صلاة ُ الجماعة ِ أن ْ تدركني فوقـفت ُ للصلاة ..
وبعـد َانتهائي لمحت ُعامِل َالنظافة ِ مُـنهمكا ً بتنظيف المكان .. وقد ْ فاتته ُ صلاة ُ الجماعة ِ مُـكـرَها ً..!!
تساءلت ُ!!!
هل ْ نسيَـت ْ تلك َالأم ّ أنها في أطهر ِ بُـقعة ٍ على وجه ِ الأرض ؟!!
كم ْ من َ الذنوب ِ تُـراها قد ْ حصدت ْ؟!! وكم ْ من َ الدعَـوات ِ قد ْ وقعَـت ْ عليها ؟!!
كيف َ لها أن تتسبّب َ بإيذاء ِ الآخرين َ في هذا المكان ِ الطاهر ؟!!
وحتى لو لم ْ تكن ْ قاصدة .. ماذا عليها لو اعتذرت ْ منهم ْ وأصلحت ْ خطأها بتنظيف ِ المكان ؟!!
أتُـراها راضية ٌ وقد ْ جعلت ْ مِن ْ ذَنبها ذَنبَـيْـن ؟!!
(2)
غَـفلة
كنت ُ في ساحة ِ الجامعة ِ صباح َ ذلك َ اليوم ..
وجلست ُ في ظل ّ إحدى الشجيْـرات ِ بانتظار ِ بدء ِ المُـحاضرة ..
كانت ْ تجلس ُ بجواري تلميذة ٌ كفيفة .. وعرفت ُ أنها تدرس ُ في الجامعة ِمن َ الكتب ِ التي كانت ْ تحملها ..
تناولت ُ معها أطراف َ الحديث .. وكم ْ كانت ْ شغـوفة ً بالعلم ِ والدراسة ..
وأدهشني طموحها واندفاعها برغم ِ فقدانها لبصرها ..
وحين َ سألتها عن ْ هوايتها أجابتني بتلك َ العِـبارات ِ التي لن ْ أنساها في حياتي ..
(( أحب ّ القراءة َوهي َ هوايتي !!
و أتمنى لو كان َ بإمكاني أن ْ أقرأ َ كل ّ كتب ِ العالم كي ْ أتعلم َ و أتثـقف ..
لكن ّ المؤسف َ أن ّالكتب َ المترجمة َ بلغة ِ المكفوفين َ نادرة ٌ جدا ً..
ليتني أستطيع ُ قراءة َ الكتب ِ التي أريد ..))
تساءلت ُ!!!
أين َ نحن ُ منها ؟؟
هي َ تريد ُ أن ْ تقرأ َ كل ّ شيء .. لكنها لا تستطيع !!
ونحن ُ نستطيع ُ أن ْ نقرأ َ أي ّ شيء .. لكننا لا نريد !!
لماذا لا نقدّر ُ نحن ُ قيمة َ الكتاب ؟!!
بل ْ لماذا لا نقدّر ُنعمة َ البصر ِ التي وهبنا الخالق ُ إيّـاها ؟!!
ومتى سنتعلم ُ أن ّعَـجز َالإنسان ِ ليس َ بإعاقته ِ وإنما بفتور ِ هِمّـته ؟!!
يُـتبَع ~
الروابط المفضلة