بسم الله الرحمن الرحيم

الحقيقة أن مذهب العلمانية مذهب متشعب وكبير تدخل فيه العديد من المذاهب سواء السياسية كالديمقراطية..أوكالشيوعية والتي يسميها البعض العلمانية المتطرفة..أو بعض المذاهب الأدبية كالحداثة والتي هي محور حديثنا في هذا الموضوع..كما وعدت سابقا بالحديث عنها..
ويشمل الحديث:
مقدمة
حقيقة الحداثة وتعريفها
أمثلة من أدب الحداثيين
الغموض في أدب الحداثيين
أمثلة من أدبهم الغامض وغير المفهوم
بعض رموز الحداثة
أساليبهم في نشر فكرهم


والحقيقة أن الأدب هو انعكاس لحياة الناس ولأفكارهم ومعتقداتهم..والأدب هو جزء من الحياة العامة..لذا فإنه وجب أن ينضبط بالضوابط الشرعية..فلا يخرج عن حدود الشرع..
وقد ظهر في الأدب والفن عدة مجالات ومن ضمنها ذلك المذهب المسمى بـ "الحداثة"..ويعتقد كثير من الناس أن الحداثة إنما يقصد بها تغيير الشكل العام للقصيدة من الشكل المعروف القديم-الموزون- إلى شكل جديد وهو ما يسمى بالشعر الحر..والحقيقة غير ذلك..وإن كان كثير من الحداثيين يحاول أن يوهم الناس بذلك وأنهم ليس عندهم في مذهبهم إلا تغيير شكل القصيدة..
بل حقيقة الحداثة أنها ثورة على كل ما هو موروث قديم ..ومن ضمن ذلك القديم طبعا الدين وكل ما يمت لله بصلة
يقول كاتب فرنسي اسمه "هنري لوفيفر" مفسرا معنى الحداثة يقول:
"هي ظل الثورة الغائبة هنا (يعني في فرنسا) القائمة هناك ( يعني في روسيا)"
وهذا يبين أن الحداثة متأثرة بالفعل بالفلسفة الشيوعية في الثورة على الدين واعتباره أفيون الشعوب كما يقولون..
ولو نظرنا للغرب لوجدنا أنهم في الأدب الغربي يتلذذون حقيقة ويفرحون بالخروج على الله وعلى دينه وعندما يستهزيء بالأنبياء وعندما يسخر بالقيامة والجنة والنار..ومهما ادعى الحداثيون بأنهم مستقلون في أدبهم هذا إلا أنهم في الحقيقة مقلدين للغربيين في اتجاههم نحو التلذذ بسب الإله وسب الأديان والمطالبة بالتحرر من تقديس ذلك كله..
فالسخرية بالدين والجرأة على الله أمر واضح تماما في أدب الحداثيين ومن الأمثلة على ذلك روايات كتبها بعض الحداثيين الذين يعيشون بيننا وفي مجتمعاتنا ..


ففي رواية كتبها تركي الحمد يقول:"فيما حانت التفاتة من عبدالرحمن نحو الكيس الذي يحمله هشام ..فقال وهو يضحك: ما تلك بيمينك يا هشام؟..فابتسم هشام وهو يقول:لاشيء.. مجرد كولا تروي العطش ولي فيها مآرب أخرى!!.. وضحك الاثنان..."

ويقول ساخرا بالملائكة عندما تحدث عن السجن:"نظر حوله مستكشفا القبر الذي ألقي به فيه.. إنه عبارة عن غرفة ضيقة بنافذة واحدة ذات قضبان فولاذية غليظة وسقف مرتفع تتدلى منه لنبة تصدر ضوءا خافتا كئيبا أقرب إلى ضوء سراج قديم في ليلة شديدة العتمة ..جلس على فراشه المطوي.. وهو يتحسس القيود في رجليه وينظر إلى البوابة أمامه.. متوقعا أن يلج منكر ونكير في أي لحظة ..ومعهما المرزبة الرهيبة ..ولكن الوقت يمر ولا أحد يجيء ..ثم نظر إلى النافذة وتلك النجوم التي تتبدى من ورائها على استحياء ..وهو يتصور أن يأتي ملاك الرحمة من هنا وهناك فينقله على جناحيه إلى حيث نسمة هواء طليقة...ولكن حتى الملائكة اختفت في هذه اللحظة.. ويبدو أنها نفسها تخاف الدخول إلى هذا المكان وليس إلا الرعب والسكون والانتظار ....."

ويقول ساخرا من الله وهو يتكلم عن أيام الامتحانات "وابتسم هشام بالرغم منه فشعبية الله مرتفعة هذه الأيام (يعني أيام الاختبارات ) لو كان ماركس في هذا الموضع لذكر الله كثيرا"
ويقول في رواية :"الله والشيطان وجهان لعملة واحدة"..
ويقول عن السجن أيضا :"رحماك يا الله ..ولكن أين الله في هذا المكان..لقد ألغاه العقيد ..وجعل من نفسه ربا للمكان..رحماك يا عقيد..أريد جنتك فقد كوتني نارك..وبدأ يصرخ يا حارس يا حارس..فجاء الحارس وقال:ايش تبغي..قال خذني إلى إله المكان..أعني خذني إلى العقيد أريد المغفرة ..خذني إلى العقيد"
وهكذا يثور هذا الكاتب الحداثي على الدين ويسخر بالثوابت ..بل بالله جل وعلا..علانية دون حياء أو خجل..
وأيضا الكاتب محمد الفيتوري يقول في بعض كتاباته الأدبية :"لا شيء لكي أكتب كلمة ..فالكلمة في شفة الله.. والله على الأرض سجين"..
ويقول :"عندما غسلتني المحبة أبصرت في وجهها الله..حدقت في مقلتيه المفرغتين ....."


وهناك فكرة خبيثة جدا عند الحداثيين وهي ما يسمونه "موت المتكلم"..يعني أن النص يفهمه السامع أو القاريء كما يشاء ويفسره كيف يريد حتى وإن كان يخالف مقصود المتكلم فيفسر الكلام بعدة تفسيرات وكلها صحيحة..ولا يحق للمتكلم الاعتراض على تفسير السامع ..وهذه فكرة خبيثة لأنها تعني أن يفسر القرآن والسنة كما يريد الشخص..


وأيضا فإن الحداثيين يعتمدون الغموض في أدبهم ..فهم يشجعون الأدب الغامض ..تأييدا للفكرة السابقة ليفهمه كل شخص كما يريد فلا يهم..ولا أدري ما فائدة الكتابة إذا كان الكاتب لا يريد أن تفهم كتاباته على وجه معين..


وأورد بعض الأمثلة:
يقول أحدهم في مجلة اليمامة
( قفوا نترجل
أو قفوا نتهيأ للموت شاهدة القبر ما بيننا يا غبار ويا فرس
يا سيوف ويا ساح يا دم يا خيانات
خاصرة الحرب يشملها ثوبها
كان متسخا مثل حديث الذي يتدثر بالخوص
كي لا يرى الناس سوأته
كنت أحدثكم
للحديث تفاصيله فاسمعوني
فقد جئت أسألكم عن رمال وبـحر وغيم وسلسلة زبرجد )
ويقول آخر:
( وحدي بـهذا القبو
أعثر في حطام الضوء في كسر المرايا
ويداي مطفأتان
ويداي موحشتان
ويداي ترسم بالرماد فراشة
ويداي تأخذني
وأسأل من أكون سبعاً بـهذا القبو
أورثناه حكمتـنا وأورثنا الجنون )
وتقول كاتبة اسمها هدى الدغفق:
( لأني نفيت من الحلم بالأمس
سامرت قيظا
وجعا منح الوقت وقتاً
واحترى أن يمر به الوسم
لأني عاصرت حالة دفني
تجذرت بالرمل
مارست توق الخروج عن الخارطة
ولأن الخريف طوى قامتي )
هذه بعض الأمثلة التي تبين غموض أدب بعض الحداثيين..وهو مما يؤيد أفكارهم..


ومن رموز الحداثيين ..عبدالعزيز المقالح وكان مدير جامعة صنعاء ولا زال إلى الآن على ما أظن..وعبدالوهاب البياتي وأمل دنقل وأدونيس وعبدالله العروي وصلاح عبدالصبور ومنهم تركي الحمد.....وغيرهم..
والمصيبة أن هؤلاء الحداثيين يقدمون في مجلاتنا وصحفنا على أنهم أدباء بارزون ..ففي جريدة المدينة وصف تركي الحمد الذي تبين لنا زندقته بأنه أبرز أديب لذلك العام..عجبا أديب يسب الله والدين ..بل ويوصف بأنه أبرز أديب!!!..


وأما أساليبهم فأذكرها كما رصدها الدكتور عوض القرني في كتابه "الحداثة" وقد اختصرتها:
1-السيطرة على الملاحق الأدبية والثقافية في أغلب الصحف وتوجيهها لخدمة فكرهم.
2- التغلغل في الأندية الأدبية من أجل توجيه نشاطها لخدمة الحداثة وأهدافها.
3-إفراد صفحات لكتابة القراء وخاصة الشباب ومن خلالها يتم اكتشاف أصحاب الميول الحداثية وتسلط عليهم الأضواء.
4-نشر الإرهاب الفكري ضد مخالفيهم واتهامهم بشتى التهم والنعوت.
5-الدفع برموزهم للمشاركة في المهرجانات الدولية.
وغير ذلك مما ذكره الشيخ عوض القرني..
وللاستزادة والتوسع حول الحداثة بالإمكان الإطلاع على كتاب الشيخ عوض القرني "الحداثة قي ميزان الإسلام".. وكذلك هناك رسالة للدكتور سعيد بن ناصر الغامدي عن الفرق والمذاهب المعاصرة أيضا مفيدة في هذا الموضوع..