بسم الله الرحمن الرحيم
قال يحيى بن معاذ : (( بئس الأخُ أخٌ تحتاج أن تقول له : اذكرني في دعائك .
وجمهور الناس اليوم معارف ، ويندر منهم صديق في الظاهر .
وأما الأخوّة والمصافاة فذلك شيء نُسخ ، فلا تطمع فيه ،
وما أرى الإنسان يصفو له أخوه من النسب ، ولا ولده ، ولا زوجته ،
فدع الطمع في الصفاء ، وخذ عن الكل جانبا ، وعاملهم معاملة الغرباء .
وإياك أن تخدع بمن يظهر لك الود ، فإنه مع الزمان يتبين لك الخلل فيما أظهره .
وقد قال الفضيل : ( إذا رأيت أن تصادق صديقا فأغضبه ،
فإن رأيته كما ينبغي فصادقه ) .
وهذا اليوم مخاطرة ، لأنك إذا أغضبت أحدا صار عدواً في الحال ،
والسبب في نسخ حكم الصفاء ، أن السّلف كانت همّتهم الآخرة وحدها ،
فصفت نيّاتهم في الأخوة ، والمخالطة كانت دينًا لا دنيا ،
والآن فقد استولى حب الدنيا على القلوب ، فإن رأيت متعلقًا في باب الدين فاخْبُره تقلَه ))
. انتهى من الآداب الشرعية 3 / 581 .
قال الفضيل : (( رأيت نفسي تأنس بخلطاء تسميهم أصدقاء ،
فبحثت التجارب ، فإذا أكثرهم حُسّاد على النعم ، لا يستـرون زلّة ،
ولا يعرفون لجليس حقا ، ولا يواسون من مالهم صديقا ،
فتأمّلت الأمر ، فإذا أكثرهم حسّاد على النعم ،
فإذا الحق - سبحانه - يغار على قلب المؤمن أن يجعل به شيئا يأنس به ،
فهو يكدر الدنيا وأهلها ليكون أنسه به . فينبغي أن تعد الخلق كلهم معارف ،
ولا تظهر سرك لمخلوق منهم ، ولا تعدّن فيهم من لا يصلح لشدة ،
بل عاملهم بالظاهر ، ولا تخالطهم إلا حالة الضرورة ،
وبالتوقي لحظة ، ثم انفر عنهم ، وأقبل على شأنك ، متوكلا على خالقك ،
فإنه لا يجلب الخير سواه ، ولا يصرف السوء إلا إيّاه )) .
انتهى من الآداب الشرعية 3 / 582 .
ذكر ابن بطة هذه الأبيات عن الشعبي قال : قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -
لرجل رآه يصحب رجلا كرهه له :
(( و لا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه فكم من جاهل أردى حليما
حين آخاه يقاس المرء بالمرء إذا ما هو ماشاه وللشيء على الشيء مقاييس
وأشباه وللروح على الروح دليل حين يلقاه وذو الحزم إذا أبصر
ما يخشى توقاه وذو الغفلة مغرور وريب الدهر يدهاه
ومن يعرف صروف الدهر لا يبطره نعماه )) .
وقال أيضا : -
إذا أنت لم تسقم وصاحبت مسقما *** وكنت له خدنًا فأنت سقيم
وذكر ابن بطة - أيضا - فقال : (( أنشدنا أبو بكر بن الأنباري ،
قال أنشدني أبي لأبي العتاهية :
من ذا الذي يخفى عليك *** إذا نظرت إلى قرينه
وعلى الفتى بطباعه *** سمة تلوح على جبينه
قال أبو بكر الأرجاني :
ولما بلَوت الناس أطلب منهم *** أخا ثقة عند اعتراض الشدائد
تطمعت في حالي رخاء وشدة *** وناديت في الأحياء هل من مساعد
فلم أر فيما ساءني غير شامت *** ولم أر فيما سرني غير حاسد
وقال آخر :
من كان يأمل أن يسود عشيرة *** فعليه بالتقوى ولين الجانب
ويغض طرفًا عن مساوي من أسى *** منهم ويحلم عند جهل الصاحب
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، والحمد لله رب العالمين
الروابط المفضلة