السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هل كان معتز يحلم؟بل إن الحلم حقيقة!و هذه الحقيقة لا تصدّق!
قُبله تُطبع على جبينه حتى يستيقظ ، إنها القبلة الصباحية التي اعتاد عليها من شفتي أمه رحمها الله ، قُبله عطف و حنان، قُبله طاقة و يهوى أن يبدأ يومه فيها، لقد افتقدها على مدى ثلاث سنين، افتقد معها صراخ أخته و هي تحية و تلاعبه ، تصعد على ظهره و تشاكسه. يريد أن يفتح عينيه..لكنه يخشى الواقع،و لا بد من مواجهته لأنه يعيش تفاصيله، و لا يستطيع الهروب منه فتح عينيه، فكانت سمية تبتسم و تقول بصوت الأم الحنون: استيقظ يا كسول، الإفطار جاهز.
وضع غطائه فوق رأسه بعد أن شعر بالإحباط فهي ليست أمه، و ميسون الصغيرة ليست معها،لكنه ما أن رفع الغطاء حتى سقطت على الأرض صورة امرأة جميلة، سمراء ناعمة و بالقرب منها ملاك صغير في الثالثة من عمرها، فالتقطت سمية الصورة و قالت: إن أمك و ميسون رائعتا الجمال.
رفع غطائه فشاهد سمية تمسك بالصورة فأختطفها من يدها و قال غاضباً: إنها لي لا تسرقيها.
ابتسمت و قالت بحنان: و لماذا لا تضعها داخل إطار؟ (ثم سكتت لحظة و أكملت)مم على فكرة ..لدي إطار جميل.
ذهبت بخطواتها الرزينة الهادئة..وما لبثت أن رجعت...تحمل إطاراً جميلاً مذهباً، وضعت الصورة بداخل الإطار و قالت:هكذا أجمل.
معتز مستفسرا: لماذا لم تغضبي مني؟
سمية و هي تضع الصورة على صندوق الأدراج بالقرب منه :لماذا؟
معتز و هو يهز كتفيه: مممممم.. لأن النساء يغرن.
ضحكت ضحكه صافية و قال: و الآن يكفي ثرثرة أيها الكسول... طعام الإفطار جاهز.
مشى متكاسلاً ..أما هي فانتقلت عند جمال تداعب شعره و تقول:لم أعهدك كسولاً يا صاحب الهمم.
قبلته على جبينه، فأمسك يد أمه وقبّلها ،ثم نظر من خلال النافذة، بدأت تمسح وجهه برفق و تقول:مالك حزين يا بني؟
جمال:دعيني أرثي كتابي الوحيد هنا فلقد أكملت قرآئته وودعته ،كان غريب مثلي ، شكونا الوحدة معاً ، بكى و بكيت ..
قالت:ما بين طرفة عين و انتباهتها
يغير الله من حالٍ إلى حالِ
قم يا ولدي و كل..تمر الأيام ولا أراك تأكل إلا بضع لقيمات.
مشى بهدوء فأستقبله محمود و كان يجلس حول المائدة فقال باسماً: كيف حال بطلنا جمال.
عدّل من وضعية نظارته وقال باضطراب: الحمد لله أنا بخير يا عمً.
محمود و هو يداعب معتز: إذن هيا لنأكل فمعتز يموت جوعاً،و إن تأخرت أكثر فسيفترسك.
لم تكن شهية جمال على ما يرام كعادتها فأكل لقيمات و بقي جالساً ينتظر الإذن له بالانصراف،و معتز،يأكل بنهمٍ شديد.
لم يقدر محمود أن يصمت هذه المرة فقال بعتاب:أنا لا أراك تأكل.
جمال: بــ...بــ.. بلى..ربما لم تنتبه
محمود: إنك الآن في طور النمو،و تحتاج إلى الغذاء.
لم يرد أما محمود فوقف متوجها إلى الباب و قال لسمية: أنا ذاهب للعمل إن أردت شيء اتصلي بي.
وقف جمال مقابل محمود و قال وهو يخفض رأسه:هل سأذهب للعمل معك؟
عقد محمود حاجبيه مستغربا و فكّر ثم قال: ماذا؟! آخذك لتعمل معي إنك هزيل و لا تنفعني.
نظر إلى سمية و ضحك قائلا: أطعميه..
ثم رحل
قالت سمية: معتز، أبوك ينتظرك لتذهب إلى المكتبة، و أنت كذلك يا جمال.
جمال متلهفاً: ماذا المكتبة؟
كان أول من وصل إلى العربة و جلس في المقعد الخلفي،و نزل معتز ببطء و قال لأبيه :و الله لولا الدفاتر الجديدة و الحقيبة الجديدة ما جئت إلى هناك.
نظر محمود إلى معتز و قال متحدياً : لا بأس ..... سأعقد معكما اتفاق، في هذه المرة يجلس معتز في المقعد الأمامي، و في المرة القادمة... جمال.
أحس جمال بالحرج الشديد و انكمش في جلسته، أراد أن يعاند لكنه لكن لسانه لم يطاوعه,و عندما وصل إلى المكتبة أصيب بخيبة أمل،لقد ظن أن زيارة المكتبة لاختيار الكتب.
كان معتز مشغولاً بانتقاء الدفاتر أما هو فلا يملك ثمن قلمٍ صغير،فكرامته لا تسمح له طلب أي شيء، ثم طاف بخياله أنه لم يُدعى أو أنه لن يذهب للمدرسة أصلاً،كما أوهمه معتز فتشاغل بالنظر إلى كتابٍ في المكتبة باسم " الحاجب المنصور"، و إذا بعمه يقول له و قد وقف أمامه: لماذا لم تختر القرطاسية؟
وضع الكتاب جانباً و أشار بكلتا يديه إلى صدره مندهشاً: أنا؟
محمود و هو يضحك: نعم أنت، هل ستكتب دروسك على ورق النخيل؟
جمال بخجل: لا شكراً.
محمود بتسلط و حزم:لا تقل لي ... لا، على كل حال أنا و معتز سنختار لك.
و اختار لجمال كما اختار لابنه و زاده بكتاب الحاجب المنصور.
الروابط المفضلة