إعداد: وحيدة المقدادي
هذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الأطباء علاج مرض السكري بزراعة خلايا البنكرياس. لكنهم اصابوا الهدف هذه المرة بعد ان أخذت الخلايا المزروعة تنتج الانسولين بكميات كافية. وهذه العملية التي اجريت قبل ايام في لندن هي الأولى من نوعها في بريطانيا وقد سبقتها محاولات اخرى كانت تسفر عن افراز محدود للانسولين لم يكن كافيا لالغاء الحقنة اليومية التي يحتاجها المريض.
التقيت الدكتور نايجل هيتون استشاري زراعة الكبد الذي شارك في هذا الانجاز الطبي الذي تعاون على تنفيذه كل من قسم السكري ووحدة زراعة الكبد في مستشفى كنجز كوليج بلندن.
بدأنا الحديث مع الدكتور هيتون بتذكيره بان مثل هذه المحاولة قد جرت سابقاً من قبل الجراح الكندي جيمس شابيرو وسألناه ان كانت العملية الحالية قد بنيت على التجربة السابقة. فأجاب موضحا:
ـ هذا صحيح. فالكنديون هم الذين بدأوا فكرة زراعة خلايا البنكرياس وهم الاكثر خبرة. لكن التحدي امامهم وامامنا هو كيف نجعل هذه الخلايا المزروعة تفرز الانسولين بصفة مستمرة لكي يعيش المريض.
وسألنا الدكتور هيتون ايضا: تزامنت تجربتكم الحالية مع تجربة اخرى في جامعة منيسوتا بالولايات المتحدة. لكنهم هناك استخدموا خلايا من متبرع واحد فقط وليس عدة متبرعين. فهل تلك التجربة متقدمة على تجربتكم؟
ـ كلا، بل ان الامر يعتمد على حجم جسم المريض. فاذا كان المريض شخصا كبير الحجم فسوف نحتاج الى خلايا من اكثر من متبرع. والحقيقة ان اكثر المرضى يحتاجون الى اثنين من المتبرعين. ذلك لاننا لا نستطيع ان نستخلص عدداً كافياً من الخلايا من متبرع واحد فقط. ويستطرد الدكتور هيتون: لذلك فإن من الامور المهمة التي نحاول العمل عليها مستقبلاً هي انماء خلايا البنكرياس بهدف الحصول على عدد كبير منها وهذا بدوره يساعدنا على الاكتفاء بمتبرع واحد.
ألا تصبح الحالة اكثر تعقيداً ويزداد الرفض المناعي في الجسم عند استخدام خلايا من عدة متبرعين؟
ـ الحقيقة ان تعدد المتبرعين يقلل الرفض ولا يزيده وذلك لوجود تركيبات وراثية متعددة خاصة بكل متبرع، الأمر الذي يجعل جهاز المناعة غير قادر على الرد على هذا التعدد. ان الجسم جهاز غريب حقاً!
الملاحظ انكم كجراحين تعانون في الحصول على خلايا مستخلصة من عدة متبرعين. فما هي الصعوبات التي تمنعكم من نقل بنكرياس كامل من متبرع واحد اسوة بنقل اعضاء اخرى كاملة كالكلية مثلاً؟
ـ نظرياً هذا امر رائع.. ولكن عملياً هناك صعوبات كثيرة لان 5% من المرضى يموتون في مثل هذه العملية، كما انها عملية جراحية معقدة وكبيرة وتتطلب فتح البطن. بينما نقل خلايا منفردة، كالذي نقوم به الان، اسهل بكثير ولا يشكل خطورة على حياة المريض. اذ انه يتم بحقنة صغيرة تدخل من خلال ثقب صغير في البطن لتصل الى الكبد. وهذا الاجراء يستغرق نصف ساعة فقط ولا يترك جرحاً في الجسم ولا مضاعفات.
وسألنا الدكتور هيتون عن تفاصيل العملية الناجحة الأخيرة: كم مرة قمتم بحقن المريض (ريتشارد لاين) بخلايا البنكرياس؟
ـ ثلاث مرات بدأت في سبتمبر (ايلول) وكان اخرها في يناير (كانون الثاني). وعلى اثر الحقنة الاخيرة بدأت خلاياه بانتاج الانسولين واصبح لا يحتاج إلى العلاج اليومي بالانسولين والذي كان يأخذه على مدى ثلاثين عاماً من حياته.
ما هي مبررات حقن خلايا البنكرياس في كبد المريض وليس في البنكرياس العاطل نفسه؟
ـ لو زرعنا الخلايا في البنكرياس العاطل للمريض فانها لن تعيش وسوف تفشل العملية. اما الكبد فهو يتميز ببيئة مناسبة تساعد على عمل تلك الخلايا.
المعروف ان المريض ريتشارد لاين (61 عاماً) كان يعاني من النوع الاول من السكري Type 1. فهل يناسب هذا العلاج مرضى السكري من النوعين؟
ـ حالياً هو يناسب فقط مرضى السكري من النوع الأول الذي يظهر في الطفولة ويتسم بعدم وجود افراز للأنسولين من غدة البنكرياس.
واضاف الدكتور هيتون: الحقيقة ان اهتمامنا الحالي ينصب على اتقان العملية لضمان استمرار افراز الانسولين من الخلايا المزروعة قبل التفكير في توسيع استخدامها.
هل استعنتم بمتبرعين احياء في هذه العملية؟
ـ استعنا بمتبرعين في حالة موت دماغي لانه لا توجد حالياً تكنولوجيا تساعد على استخلاص الخلايا من متبرع حي رغم انهم في الولايات المتحدة يحاولون ذلك.
الحقيقة ان ايجاد المتبرعين سوف يشكل صعوبة نظراً للانتشار الواسع لمرضى السكري في ارجاء العالم.
ونعتقد ان انماء الخلايا والاحتفاظ بها في بنوك سيكون هو الحل مستقبلاً.
المستقبل
وينهي الدكتور نايجل هيتون حديثه بالاشارة إلى الآفاق المستقبلية الجديدة لعلاج مرضى السكري فيقول: ان التطور المتسارع في علم الخلايا الجذعية يفتح امامنا افقاً جديداً في علاج السكري. اذ هناك امكانية لاخذ الخلايا الجذعية من نخاع العظم واستخدامها كخلايا مولدة لهورمون الانسولين الذي يحتاجه مريض السكري.
وبالطبع لا توجد حاليا التكنولوجيا الكفيلة بتحويل هذا المشروع الى واقع، ولكن لحسن الحظ ان علم الخلايا الجذعية يتطور بسرعة رهيبة وهذا في صالح الانسان وسوف يفيده في علاج الكثير من الامراض وليس فقط مرض السكري.
الجراح نايجل هيتون الذي شارك في الزراعة يتحدث :
الخلايا المزروعة أنتجت الأنسولين والمريض تحرر من الحقنة اليومية استخدمنا خلايا بنكرياس من متوفين دماغيا وإنماء الخلايا هو الحل لمشكلة المتبرعين مستقبلا في المستقبل قد يصبح نخاع العظم المصدر الجديد لتوفير خلايا البنكرياس.
رد مع الاستدلال
الروابط المفضلة