بسم الله الرحمن الرحيم
من الناس مَن إذا ذكروا رقت القلوب لذكرهم
وارتاحت النفوس لسيرتهم .
قوم عاشوا حياتهم لا يألون جهدا ً في الذب عن الدين والرسالة الخالدة .
قوم أخلصوا نيتهم لله .. فخلدهم الدهر .. ونهلت الأمم من علومهم فكان لهم أجرا ً
إلى يوم الدين .
بقيت آثارهم حية تتكلم , وبقيت محبتهم في قلوب محبيهم ..
وكم من اناس قدموا أعظم مما قدموه إلا أن نواياهم كانت للسمعة والشهرة ..
فذهبوا وذهب معهم ما كتبوه إلى مزابل التاريخ .
:::::::::::
في هذه السلسلة أحببت أن أتناول سيرة بسيطة لأئمة أحببناهم في الله
إنهم أئمة المذاهب الأربعة رضي الله عنهم .
وصلوا ليلهم بنهارهم ليقدموا لنا الفقه سهلا ً ميسرا .
نذكرهم ونتذكر مآثرهم علّ قلوبنا التي قست ترق لذكرهم .. وتتعلم من نهجهم
البذل والعطاء .
ثانيهم
الإمام مالك بن أنس
هو شيخ الإسلام , حجة الأمة , إمام دار الهجرة
مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر ............ الأصبحي المدني
أمه هي عالية بنت شريك الأزدية
كان شديد البياض والحمرة , طوالا ً , جسيما ً , أبيض الرأس واللحية , أصلع .
كان يحب لبس البياض , والطيلسان , والثياب العدنية , وكان كثير التعطر .
ولد سنة ثلاث وتسعين للهجرة , في العام الذي مات فيه أنس خادم رسول الله
صلى الله عليه وسلم .
نشأ بين التابعين والعلماء والانصار .طلب العلم وهو حدث .
وجلس لتدريس العلم وهو ابن سبع عشرة سنة .
وجلس للفتيا وهو ابن إحدى وعشرون سنة .
قال عن نفسه : ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك .
وقالوا : لا يُفتَي ومالك في المدينة .
أخذ العلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير . والزهري . ووهب بن كيسان , وصالح بن
كيسان , وهشام بن عروة
من أقرانه : الأوزاعي , والليث بن سعد , والثوري , وعبد الله بن المبارك , ويحي
القطان .
طلبه اهل العلم من الآفاق آخر خلافة المنصور . واشتدوا عليه زمن الرشيد حتى
مات .
كان يجل رسول الله أيما إجلال .
كان إذا ط.لب منه الحديث دخل منزله وتطيب وتطهر . ولبس أحسن وأفخر الملابس
العدنية إجلالا لحديث رسول الله . ثم يحدث .
قيل له يوما : لم َ لم تأخذ عن عبد الله بن دينار ؟؟ فقال : أتيته فوجدته يأخذون عنه
قياما , فأجللت حديث رسول الله أن آخذه قائما .
كان لا يركب دابة في المدينة بل يمشي على قدميه .
وكان يقول : إني لأستحي من الله عز وجل أن أطأ تربة فيها نبي الله صلى الله
عليه وسلم بحافر دابة
أرسل إليه المهدي ببغلة ليأتيه فرها .
وأتاه ماشيا , وكانت به علة . فاتكأ على المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي ,
وعلى حسن بن أبي زيد العلوي .. وكانا من علماء المدينة وأشرافها .
فلما رآهم المهدي قال : سبحان الله ! رد البغلة إجلالا لرسول الله صلى الله عليه
وسلم , فقيض الله له هؤلاء .فوالله لو دعوتهم أنا إلى هذا ما أجابوني إليه .
فقال له المغيرة : نحن يا أمير المرمنين قد افتخرنا على اهل المدينة لما اتكأ علينا مالك .
عندما وضع كتابه العظيم في الفقه . بات متحيرا ماذا يسميه . قال فنمت فرأيت
النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : وطئ للناس هذا العلم . فسمى كتابه
الموطأ ( قلت : انا لم أتأكد من صحة هذه الرواية ) ..
قال الشافعي عن الموطأ :
ما في الأرض كتاب في العلم أكثر صوابا من موطأ مالك .
التقى الشافعي بمالك فأخذ عنه . وقرأ الشافعي الموطأ على مالك غيبا من
حفظه . فأعجب به مالك كثيرا .
وكما كان مالك علما في الفقه . كذلك كان علما في الحديث .
فقد كان إماما في نقد الرجال . حافظا , مجودا , متقنا .
قال بشر بن عمر الزهراني :
سألت مالكا عن رجل فقال :
هل رأيته في كتبي ؟ قلت : لا .
قال : لو كان ثقة لرأيته في كتبي .
قال الشافعي : مالك وابن عيينة قرينان . ولولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز .
يقول الشافعي : مالك معلمي , ومنه أخذت العلم .
كان إذا شك في حديث طرحه كله .
قال أبو عباس السراج سمعت البخاري يقول : أصح الأسانيد : مالك عن نافع عن ابن عمر .
من مناقبه انه كان لا يحب اهل البدع والقدرية .
قال جعفر بن عبد الله قال : كنا عند مالك , فجاءه رجل فقال : يا أبا عبد الله !
الرحمن على العرش استوى . كيف استوى ؟
فما وجد مالك في شيئ ما وجد في مسألته ( قلت : الوجد هو الحزن ) فنظر إلى
الأرض , وجعل ينكت بعود في يده , حتى علاه الرحضاء ( العَرَق ) ثم رفع رأسه
ورمى بالعود . وقال :
الكيف منه غير معقول , والاستواء منه غير مجهول , والإيمان به واجب , والسؤال
عنه بدعة . وأظنك صاحب بدعة .
وأمر به فأخرج .
وقال : القرآن كلام الله ,, وكلام الله منه ,, وليس من الله شيئ مخلوق .
كان من شدة علمه يتهيب ان يفتي بكل شيئ . وما أكثر ما قال : لا أدري .
قال الهيثم بن جميل :
سمعت مالكا سئل عن ثمان وأربعين مسألة .
فأجاب في اثنين وثلاثين منها : لا
أدري .
قال خالد بن خداش : قدمت على مالك بأربعين
مسألة , فما أجابني منها إلا في
خمس مسائل .
قال ابن عبد البر : صح عن أبي الدرداء أن لا أدري
نصف العلم .
قال ابن وهب : لو شئت أن أملأ ألواحي من قول
مالك : لا أدري لفعلت .
أما نحن .. ما شاء الله اعلم من مالك . فعندنا فتوى
لكل مسألة . فما أيسر ان
نقول : حرام ولا يجوز .
يقول مالك :
جُنة العالم : لا أدري .. فإذا أغفلها أصيبت مقاتله .
::::::::::::::::::
أراده المنصور على القضاء فأبى وتعلل بانه محدود .
( أي أقيم عليه الحد ) لأن
المحدود لا يلي القضاء .
أما أبو حنيفة فتعلل بانه مولى
رضي الله عنهم كانوا يترفعون عن دنيا الخلفاء
ويأبون بانفسهم أن يخوضوا في
أوحال السلطان .
أما سبب الحد :
هو ان أبا جعفر نهى مالكا عن حديث ( ليس على
مكره طلاق ) .
ثم دس عليه من ساله عنه . فحدث به على رؤوس
الأشهاد . فأمر بضربه بالسياط .
ضربه جعفر بن سليمان الهاشمي امير المدينة .
وجبذت يده وقت الضرب , حتى انخلعت من
كتفه .. فما زال مالك بعد في رفعة وعلو .
ثم أرسل إليه الخليفة ليقتص من سليمان فأبى
إجلالا لقرابته من رسول الله . واحله .
قيل في مالك :
يدع الجــواب فلا يراجــع هــيبة :::::::::::::: والســـــــائلون نواكس الأذقان
عز الوقار , ونور سلطان التقى ::::::::::::::: فهو المهيب وليس ذا ســلطان
اختلف في وفاته :
قيل : توفي سنة : تسع وثمانون . وقيل : سبع وثمانون وست وثمانون .
دفن رضي الله عنه في البقيع .
الروابط المفضلة