بعد الهزائم المتوالية التى مني بها الروم البيزنطيون في معارك اجنادين وفحل ودمشق، قرر هرقل الروم اعادة تجميع قواته في جيش واحد لملاقاة المسلمين والقضاء عليهم , فبلغ ذلك ابي عبيدة عامر بن الجراح القائد العام لجيوش فتح الشام الاربعة فسارع بالاتصال بقادة الجيوش:عمرو بن العاص ويزيد بن ابي سفيان وشرحبيل بن حسنة, طالبا منهم التجمع لملاقاة الروم ,ذلك ان "مثلنا اذا اجتمع لم يغلب من قلة"وارسل الى الخليفة يعلمه بالخبر والذي بدوره امر خالد بن الوليد ان يتحرك بجيشه من العراق لنجدة المسلمين في الشام.كما ارسل اليهم نجدة اخرى بقيادة سعيد بن عامر
والتقت جيوش المسلمين جميعها في منطقة الجابية قرب نهر اليرموك
في منطقة سحم الكفارات شمال اربد( وتسمى الان العشة او منطقة الشعلة )
(وهي الان منطقة اشجار ومتنزه وطني):
واتخذوا موقعا يمكنهم من تأمين اتصالاتهم ومددهم من الجزيرة ويمنع وصول الامدادات من فلسطين للروم ويبقيهم قريبا من مناطق الغلال والتموين في شمال الاردن ويتيح لهم مراقبة المنطقة "ولذلك سميت المنطقة هناك بالمقربة تصحيفا لكلمةالمراقبة"
فيما تجمع الروم قادمين من انطاكيا بقيادة ماهان وباشراف مباشر من هرقل في منطقة سحم الجولان (جنوب القنيطرة تقريبا)واختاروا موقعا يحمي ظهورهم"في ظنهم" :وادي اليرموك خلفهم ووادي علان على يمينهم ووادي الرقاد على يسارهم بحيث تحميهم هذه الوديان من الجهات الثلاث من ان يأتيهم منها احد وبقيت الحهة الرابعة (الشمال)مفتوحة لملاقاة المسلمين, الامر الذي فسره المسلمون بعكس ذلك بقول قائلهم:" ابشروا فما حصر قوم قط الا هزموا..."
واختار المسلمون لقيادتهم سيف الله المسلول خالد بن الوليد الذي استخدم لاول مرة في الحروب اسلوب الكراديس"الفرق" حيث قسم الجيش الى 40 كردوسا قوام كل منها قرابة الالف مقاتل وقسم هذه الكراديس حسب نظام "الخميس" الى خمسة اجزاء: الطليعة والميمنة والميسرة والقلب والساقة وعين لكل جزء منها قائدا
اما الروم فقد اصطفوا على شكل صفوف(20 صفا) مدعمين بالاسلحة والدروع الحديدية والخيول, فلما تواجه الجيشان ذهل بعض المسلمين من عدد الروم الضخم "125 الف رومي في مقابل حوالي 46 الف مسلم"فقال قائلهم :"ما أكثر الروم وأقل المسلمين" فنهره القائد خالد بن الوليد وهو الحريص على معنويات جنده وقال:" بل قل ما أقل الروم و أكثر المسلمين إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال..."
واقبل المسلمون بمعنويات عالية في مقابل معنويات منهارة عند الروم عززها ما سمعوه من ان سيفا قد هبط من السماء على المسلمين لا يقاتلون به احدا الا انتصروا عليه (بوحي من سماعهم للمسلمين يخاطبون خالدا بسيف الله المسلول)
"النصب التذكاري لسيف الله المسلول"
اضافة الى ان هرقل كان قد شاور البطاركة على الانسحاب: "لأن تصالحوهم على نصف ثمار سوريا خير لكم من ان يأخذوها كلها منكم"الا ان البطاركة ابوا الا المضي في المعركة وقاموا بتثبيت الجند بالسلاسل كل عشرة معا كي لا يفكر احد بالهرب لكن معنويات الجند من معنويات القائد"هرقل" هذا اضافة الى الحر الشديد"الفصل كان صيفا"والروم يرتدون الدروع المعدنية التي تلتهب عليهم وهجا وحرارة (وحتى قيل ان خالد بن الوليد قد اشعل النيران بالاعشاب الجافة حولهم وبشكل وزاوية تجعل الدخان والوهج والحر باتجاه الروم)
فدخل الروم الى جحيم المعركة ولهيب الحر ونار المعنويات المنهارة
واستمرت المعركة6 ايام( بدأت في6رجب15هـ الموافق 12-8-636م) كان اشدها اليوم الخامس وفي اليوم السادس تفرقت قوات البيزنطيين امام شدة قتال المسلمين وتفرقوا في الوديان والجبال ووقص الروم" نزلوا ووقعوا" في الوادي "ولذلك سميت المنطقة بالواقوصة" وكلما سقط رومي قتيلا سقط معه التسعة الاخرون المقيدون معه واخذ المسلمون يلاحقون فلول الروم في الوديان لتجري اخر احداث المعركة في الوادي اسفل قرية سحم الاردنية حاليا وبقرب تلة صغيرة هناك لا تزال تعرف حتى يومنا هذا بتلة خالد بن الوليد
كان خالد قد استبقى عليها 500 من الفرسان بقيادة ضرار بن الازور ليقوموا بالاجهاز على فلول الروم الهاربين عبر الوادي(يروي العماد مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري السابق في كتاب له ان القوات الاسرائيلية عندما احتلت تلة خالد عام 67 وجدت بها اكثر من 600 سيف مدفون هناك من بقايا القتلى في اليرموك)
"تلة خالد"
وقتل في هذه المعركة ما بين 80 الى 120 الفا من الروم على رأسهم قائدهم ماهان فيما استشهد من المسلمين ما بين 3 الى 4 الاف شهيد ,
وفر هرقل الذي كان يرقب الاحداث من موقع مشرف الى انطاكيا قائلا قولته الشهيرة :"سلام عليك يا سوريا...سلام لا لقاء بعده"
ولاهمية هذه المعركة في التاريخ فقد وصفها الطبري بقوله:"لم يكن بعد اليرموك وقعة"
ولربط الماضي بالحاضر واستلهام العبر والدروس قامت الحكومة الاردنية باطلاق اسم هذه المعركة على ثاني جامعة حكومية في الاردن(جامعة اليرموك استقبلت اول فوج من طلبتها في 9-10-76م) والتي قامت بدورها بانشاء بانوراما توضيحية في موقع المعركة
وعمل احتفال سنوي فيه يتم فيه نقل شعلة اليرموك بواسطة العدائين من ارض المعركة الى الجامعة في احتفال رسمي وشعبي مهيب
"شعلة اليرموك"
هذا ولا زالت سحم الكفارات تضم بين جنباتها مسجدا اثريا يعود لفترة الفتوحات الاسلامية المبكرة وبقربه مقبرة قديمة يعتقد الكثيرون ان شهداء المعركة لا بد وانهم قد دفنوا فيها!
هذه صفحة مجد اسلامية على الارض الاردنية اقدمها لكم وكلي فخر
تحياتي
ملاحظة: الموضوع خاص بالأخ نادر عطية ونقلته لكم للفائدة
الروابط المفضلة