لقد كان من نعم الله العظيمة وآلائه الجليلة نعمة الأخوة في الدين، تلك الأخوة التي أخبر عنها -سبحانه- بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [سورة الحجرات: 10]، وجعلها رابطة أساسها العقيدة وعمادها الإيمان؛ إذ الإيمان قوة جاذبة تبعث أهلها على التقارب والتعاطف والتواد، ولا تنافر بين قلوب اجتمعت على إيمان بالله وعلا لها حب شديد لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، إنه التآلف الذي أشار إليه -عز اسمه- بقوله: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة الأنفال: 63]، ذلك التآلف الذي امتاز به مجتمع المؤمنين، والذي صوَّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واقعه في هذا المثل النبوي المشرق، فقال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكي منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)[1].
إن استشعار هذه النعمة المباركة يستوجب كمال العناية بأمرها وتمام الرعاية لحقوقها وشدة الحرص على صيانتها في كل ما يعكر صفوها، أو يوهن عراها، أو يصدِّع بنيانها مهما صغر شأنه وقل ضرره؛ ولذا جاء نهي المسلم عن الإشارة إلى أخيه بحديدة، ففي صحيح مسلم: عن أبي هريرة -رضي الله عنه أنه قال: قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-: (من أشار إلى أخيه بحديدة؛ فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي، وإن كان أخاه لأبيه وأمه)، وورد أيضا نهيه عن الإشارة إلى أخيه بالسلاح؛ ففي الصحيحين: عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يُشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يديه فيقع في حفرة من النار)، ونهي المسلم أيضًا أن يروِّع مسلمًا؛ فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه بإسناد صحيح: عن أبي عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال: حدثنا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يسيرون مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه، ففزع الرجل؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا).
ثم ترقى من ذلك إلى النهي عما هو أعظم من ذلك خطرًا وأشد ضررًا، وهو الاقتتال بين الإخوة في الدين، فقال -عليه الصلاة والسلام- في خطبة يوم النحر بعد أن ذكرهم بحرمة هذا اليوم وحرمة البلد الحرام والشهر الحرام، قال: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا حتى تلقوا ربكم، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد؛ فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض).
فاتقوا الله واذكروا نعمة الله عليكم إذ جعلكم من بعد العداوة إخوانًا، واعملوا على القيام بحقوق الإخوة في الدين، وحذار من سلوك سبيل الفتنة؛ فليس وراء ذلك إلا البوار والدمار وغضب العزيز الجبار.
الروابط المفضلة