اخواتى الغاليات:
لاحظت فى كثير من الفعاليات والاحتفالات والخطب والدروس بدء المتحدث بآية {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ } الاعراف 89 كصيغة دعاء
وكثيرون يظنون أن الاستشهاد بالآية من قبيل قوله تعالى {رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري} ونحو ذلك مما يحسن الافتتاح به وهذا خطأ شاااااائع وفادح فى ذات الوقت
فبالرجوع إلى المعجم نجد أن معنى"افتح" في الآية الكريمة تعني: احْكُم، وَاقْضِ
وإذا دققنا فى الآيات نجد أن سياق الآيات يتحدث عن سيدنا شعيب عليه السلام وقومه الذين كذبوه وعاندوه بل وهددوه باخراجه أيضاً
وجاء نفس المعنى فى سورة سبأ 26 {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ }
وهنا سياق الآيات يتحدث أيضاً عن قوم ظلموا أنفسهم وجادلوا وهم أهل سبأ
ومن هنا يتضح لنا معنى المثل المصرى (بين البايع والشارى يفتح الله) أى يفصل ويقضى
ومما يستدل به من أقوال العلماء:
ورد في لسان العرب "الفَتْحُ أَن تحكم بين قوم يختصمون إِليك، كما قال سبحانه مخبراً عن شعيب : "رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ"
والفُتاحُ: الحَكُومة. ويقال للقاضي : الفَتَّاحُ لأَنه يَفْتحُ مواضعَ الحق، وقوله تعالى :" ربنا افْتَحْ بيننا" أَي اقْض بيننا . والفتَّاحُ : الحاكِمُ صفة في الله تعالى
قال ابن الأَثير : قيل: معناه الحاكم بينهم، يُقال : فَتَحَ الحاكم بين الخصمين إِذا فصل بينهما، وأَهل اليمن يقولون للقاضي: الفَتَّاحُ، ويقول أَحدُهم لصاحبه : تعال حتى أُفاتحكَ إِلى الفَتَّاح، أي إلى الحاكم، ويقول "افْتَحْ بيننا" أَي احكم، وفي التنزيل : " وهو الفَتَّاحُ العليم " و فاتَحه مُفاتحة و فِتاحاً : حاكَمَه . وفي حديث ابن عباس : ما كنت أَدري ما قوله عز وجل : " ربنا افتح بيينا وبين قومنا " حتى سمعت بنتَ ذِي يَزَنَ تقول لزوجها : تعالَ أُفاتِحْكَ أَي أُحاكمكَ
ووردت مادة ( فتح ) في القرآن الكريم في ثمانية وثلاثين موضعا، وقد ذكر "الدامغاني" في الوجوه والنظائر أنّ الفتحَ في القرآن على أربعة أوجه، وهي: القضاء، والإرسال، والفتح بعينه، والنصر.
فَوَجْهٌ منها "الفتح" يعني "القضاء" كقوله تعالى" إنا فتحنا لك فتحا مبينا" يعني إنا قضينا لك قضاء مبينا، وكقوله تعالى في سورة سبأ " ثم يفتح بيننا بالحق" يعني يقضي، وكقوله تعالى " وهو الفتاح العليم" يعني القاضي، وكقوله تعالى في سورة السجدة " ويقولون متى هذا الفتح" أي يقولون متى هذا القضاء، وكقوله تعالى في سورة السجدة " قل يوم الفتح" يعني يوم القضاء. انتهى كلامه رحمه الله
ولم يستدل الدامغاني بقوله تعالى " ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق" على أيٍ من هذه الوجوه
وفي تفسير الإمام الطبري أنّ كلمة "افتح" في الآية الكريمة تعني "احكم بيننا وبينهم"
وفي موضع آخر يقول الطبري: "احكم بيننا وبينهم بحكمك الحقّ الذي لا جَور فيه ولا حَيْف ولا ظلم، ولكنه عَدْل وحَقٌ " وأنت خير الفاتحين " ، يعني: خير الحاكمين"
وفي الطبري كذلك " قوله : {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } ، يقول : اقض بيننا وبين قومنا
وفيه : عن قتادة، قوله: "افتح بيننا وبين قومنا بالحق" ، أي: اقض بيننا وبين قومنا بالحق
وفيه : عن السدي، أما قوله : "افتح بيننا"، فيقول: احكم بيننا
وعند ابن كثير " رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ " أي: افصل بيننا وبين قومنا، وانصرنا عليهم، " وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ " أي: خير الحاكمين، فإنك العادل الذي لا يجور أبدًا. فمعنى " فتح " حكم
وفي القرطبي "والفَتْحُ عند العرب: القضاء والحكم"، ومنه قوله تعالى : " ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين " أي الحاكمين، والفتاح: القاضي بلغة اليمن، يقال: بيني وبينك الفتاح، قيل ذلك لأنه ينصر المظلوم على الظالم"
ومن ذلك نخلص إلى أنه لا يصح استخدام هذه الآية إلا عند إرادة المفاصلة والمفارقة بين مؤمن وغير مؤمن، أو عند طلب القضاء من الله بين فئة مؤمنة وأخرى كافرة، أما استخدام هذه الآية في استهلال الخطب والمواعظ ودروس العلم بما يعد استهلالا وافتتاحا فهذا لا يصح
نسأل الله أن يعلمنا ما جهلنا ويفقهنا فى الدين
الروابط المفضلة