أمين أهل السماء والأرض
الثرى النقى العفيف
أسمه ونسبه:
هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب
هو أحد العشرة المبشرين بالجنة
فقد روى حديث البشارة لهم أكثر من عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فعَن عبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم:
"أَبُو بَكْرٍ في الْجَنّةِ، وَعُمَرُ في الْجَنّةِ، وعُثْمَانَ في الْجَنّةِ، وَعَلِيّ في الْجَنّةِ، وطَلْحَةُ في الْجَنّةِ، وَالزّبَيْرُ في الجّنةِ، وعبْدُ الرّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ في الْجَنّةِ،
وسَعْدُ بنُ أَبي وقّاصٍ في الْجَنّةِ، وَسَعِيدُ بنُ زَيْدٍ في الْجَنّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الْجَرّاحِ في الْجَنّةِ".
وهو حديث صحيح
مولده وإسلامه وجهاده
ولد بعد عام الفيل بعشر سنين فهو أصغر من النبى بعشر سنين
وكان عبد الرحمن من السابقين الأولين إلى الإسلام إذ أسلم قبل دخول النبى دار الارقم
وكان اسمه عبد عمرو وقيل عبد الحارث وقيل أيضا عبد الكعبة فغيره النبي إلى عبد الرحمن
واسلم معه أخوه ألاسود بن عوف وهاجر الهجرتين وشهد بدراً وسائر المشاهد
وآخى النبي بينه وبين سعد بن الربيع الخزرجى
بعثه رسول الله إلى دومة الجندل ففتح الله عليه
وأذن له النبى أن ينكح ابنة ملكهم وهي تماضر بنت الاصبع الكلبى
منزلته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان عبد الرحمن كغيره من الصحابة السابقين الأولين الذين لم يدهشهم الغنى
ذا منزلة عظيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
التاجر الأمين
حين آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار
فآخى بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ربيع
فقال سعد لعبد الرحمن:
( أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا فانظر شطر مالي فخذه وتحتي امرأتان فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلّقها وتتزوجها )
فقال عبد الرحمن :
( بارك الله لك في أهلك ومالك دُلوني على السوق )
وخرج الى السوق فاشترى وباع وربح
لقد كان رضي الله عنه محظوظا بالتجارة إلى حد أثار عجبه فقال :
( لقد رأيتني لو رفعت حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا )
وكانت التجارة عندعبد الرحمن بن عوف عملاً وسعياً لا لجمع المال ولكن كان تاجرا شريفا أمينا
جوده وسخائه
كانت تجارة عبد الرحمن بن عوف ليست له وحده
وإنما لله والمسلمون حقا فيها فقد سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول يوما :
( يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك )
ومنذ ذاك الحين وهو يقرض اللهقرضـا حسنا فيضاعفـه اللهله أضعافـا
فقد باع يوما أرضا بأربعين ألف دينار فرقها جميعا على أهله من بني زهرة وأمهات المسلمين
وفقراء المسلمين وقدّم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة
وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله وأربعمائة دينار لكل من بقيقافله الإيمان
ممن شهدوا بدرا حتى وصل للخليفة عثمان نصيبا من الوصية فأخذها وقال :
( إن مال عبد الرحمن حلال صَفْو ، وإن الطُعْمَة منه عافية وبركة )
وبلغ من جود عبد الرحمن بن عوف أنه قيل :
( أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله ، ثُلث يقرضهم ، وثُلث يقضي عنهم ديونهم ، وثلث يصِلَهم ويُعطيهم)
وخلف بعده ذهب كثير ، ضرب بالفؤوس حتى مجلت منه أيدي الرجال
في أحد الأيام اقترب على المدينة ريح تهب قادمة اليها حسبها الناس عاصفة تثير الرمال لكن سرعان ما تبين أنها قافلة كبيرة
موقَرة الأحمال تزحم المدينة وترجَّها رجا وسألت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- :
( ما هذا الذي يحدث في المدينة ؟)
وأُجيبت أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف أتت من الشام تحمل تجارة له فَعَجِبَت أم المؤمنين :
( قافلة تحدث كل هذه الرجّة ؟)
فقالوا لها :
( أجل يا أم المؤمنين ، إنها سبعمائة راحلة )
وهزّت أم المؤمنين رأسها وتذكرت :
( أما أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوا )
ووصلت هذه الكلمات الى عبد الرحمن بن عوف فتذكر أنه سمع هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم
أكثر من مرة ، فحثَّ خُطاه الى السيدة عائشة وقال لها :
( لقد ذكَّرتني بحديث لم أنسه) ثم قال :
( أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها وأقتابها وأحْلاسِها في سبيل الله )
ووزعَت حمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حوله
خوفه الشديد من الله سبحانه
كان ثراء عبد الرحمن رضي الله عنه كان مصدر إزعاج له وخوف
فقد جيء له يوما بطعام الإفطار وكان صائما فلما وقعت عليه عيناه فقد شهيته وبكى ثم قال :
( استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني فكـفـن في بردة إن غطّت رأسه بدت رجلاه
وإن غطّت رجلاه بدا رأسه ، واستشهد حمزة وهو خير مني ، فلم يوجد له ما يُكَـفّـن فيه إلا بردة
ثم بُسِـطَ لنا في الدنيا ما بُسـط ، وأعطينا منها ما أعطينا وإني لأخشى أن نكون قد عُجّلـت لنا حسناتنا )
وبكى يوما حين وضع الطعام أمامه يوما وهو جالس مع أصحابه وسألوه :
( ما يبكيك يا أبا محمد ؟)
قال : ( لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير ما أرانا أخرنا لما هو خير لنا)
وخوفه هذا جعل الكبر لا يعرف له طريقا فقد قيل :
( أنه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه ما استطاع أن يميزه من بينهم )
خوف عبد الرحمن بن عوف من السلطة
لما قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يعهد بالخلافة إلى شخص بعينه
ولكنه جعلها شورى بين ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهم:
(عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص
وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين)
قائلا عنهم :
( لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض )
وأشار الجميع الى عبد الرحمن في أنه الأحق بالخلافة فقال :
( والله لأن تُؤخذ مُدْية فتوضع في حَلْقي ، ثم يُنْفَذ بها إلى الجانب الآخر ، أحب إليّ من ذلك )
وفور اجتماع الستة لإختيار خليفة الفاروق تنازل عبد الرحمن بن عوف عن حقه الذي أعطاه إياه عمر
وجعل الأمر بين الخمسة الباقين فاختاروه ليكون الحكم بينهم وقال له عليا رضى الله عنه :
( لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفَك بأنك أمين في أهل السماء وأمين في أهل الأرض )
فاختار عبد الرحمن بن عوف ( عثمان بن عفان ) للخلافة ووافق الجميع على إختياره
منزلة عبد الرحمن بن عوف عند الصحابة
كان عمر بن الخطاب يرجع إليه في أمور كثيرة
ومما روي منها دخول البلد التي نزل بها الطاعون وأخذ الجزية من المجوس وكان عمر يقول :
((عبد الرحمن بن عوف سيد من سادات المسلمين))
روى ابن سعد في الطبقات بسنده عن المسور بن مخرمة (صحابي وابن أخت عبد الرحمن):
بينما أنا أسير في ركب بين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف
و عليه قدامي عليه خميصة سوداء فقال عثمان: من صاحب الخميصة السوداء؟
قالوا: عبد الرحمن بن عوف فناداني عثمان يا مسور قلت : لبيك أمير المؤمنين
فقال: ((منزعم أنه خير من خالك في الهجرة الأولى وفي الهجرة الثانية الآخرة فقد كذب))
وفاته رضى الله عنه
توفي عبد الرحمن سنة ثلاث وثلاثين للهجرة في بلاد الشام
وصلى عليه أمير المؤمنين الخليفة عثمان بن عفان
وأرادت أم المؤمنين أن تخصه بشرف لم تخصّ به سواه فعرضت عليه قبل وفاته أن يدفن في حجرتها
إلى جوار الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضى الله عنهما
لكنه استحى أن يرفع نفسه إلى هذا الجوار وطلب دفنه بجوار عثمان بن مظعون إذ تواثقا يوما
أيهما مات بعد الآخر يدفن إلى جوار صاحبه
وختاما
أخوتى فى الله
ونحن نرى اليوم الناس تجمع المال من حلال وحرام وتقول فى نفسها هل من مزيد
تملئ البطون والخزائن وتنسى أن كل شئ زائل وما عند الله هو الباقى
فهيا نعلم ابناءنا بأن المال وسيلة وليس غاية وأن كل جسد نبت من سحت فمصيره للنار
وأن التجارة مع الله هى التجارة الرابحة
الروابط المفضلة