/: سَارِقُ الأوقاتِ في
شَهْرِ الطَّاعَاتِ :/
_____
أقبلَ شهرُ رمضان ، فاستقبلَه المُسلِمون بشَوقٍ
وحُبٍّ واحتفاءٍ كبير .
كيف لا ..؟ وهو شهرُ الخيراتِ والبركات ،
وشهرُ
العِباداتِ والطَّاعات .. !
فرِحوا بقُدومِهِ ؛ لأنَّه ضَيْفٌ عَزيزٌ عليهم ،
يَمُرُّ سريعًا .
يصومون نَهارَه ، ويقومونَ ليلَه ، ويُكثِرون مِنَ الدُّعاءِ
فيه ،
فدعوةُ الصَّائِمِ عند فِطرِهِ مُستجابَة .
فيه يَبرُّونَ الآباءَ ، ويَصِلونَ الأرحامَ ،
ويُحسِنونَ للجيران ،
ويتلونَ القُرآنَ ، ويتصدَّقونَ ، ويَذكرونَ اللهَ كثيرًا
، ويستغفرون ،
ومِن ذنوبِهم يتوبون .
وفي الوقتِ الذي يفرحون فيه بضيفِهم ،
ويُكرمونَهُ ، ويُحسنونَ ضيافَتَهُ ،
تستقبلُهُ ثُلَّةٌ أُخرى بحَفاوةٍ وترحيبٍ
ليس له مَثيل .
تُرَى لِمَ ..؟!!
ليُتابِعوا فيه القنوات ، ويَعكفوا أمامَ
الشَّاشات ،
فوازير ، وأفلام ، ومُسلسلات .
يفرحون بقُدومِ شهرِ رمضان ؛ لأنَّ المُسلسلاتِ
تُعرَضُ فيه لأوَّلِ مرة .
مُسلسلاتٌ جديدة ، وفوازيرُ يزعمونَ أنَّها تُساعِدهم
على التَّفكير ، وتُنَمِّيه عِندهم .
نَهارُهم نَوْمٌ ، وتَضييعٌ للصَّلَواتِ ،
ولَيْلُهُم سَهَرٌ أمامَ الفضائيات ،
يُقلِّبونَ بين القنواتِ ، ويَستمتعونَ
بمُشاهدةِ المَاجِنات .
فأخبريني – أُختاهُ – ماذا تستفيدين مِن ذلك
..؟!!
أفيه طاعةٌ لِرَبِّكِ سُبحانه وتعالى ..؟!! أم فيه طاعةٌ للشَّيْطان
..؟!!
إنَّكِ في غيرِ رمضان قد لا تُشاهِدينَ التِّلفاز ، ولا تجدين وقتًا
لِمُتابعةِ البرامِجِ
المُفيدةِ ، فَضلاً عن المُسلسلات .
فما بالُكِ أصبحتِ
عاكِفةً عليه في شهرِ الطَّاعات ..؟!!
كيف تُضَيِّعين أيَّامًا مَعدودةً يا
أُختاه ..؟!!
كيف تعصينَ فيها اللهَ ، وهو يراكِ ، ويَعلمُ بِكِ ، ولا يَخفَى
عليه أمرُكِ ..؟!!
أَيَسُرُّكِ أنْ يَأتِيَكِ مَلَكُ المَوتِ وأنتِ تُشاهدين
القنوات ..؟!!
أم تُحِبِّينَ أنْ يَأتِيَكِ وأنتِ تُمسِكينَ بمُصحفِكِ وتقرأينَ
آياتٍ مِنَ القُرآن ،
أو تقفينَ على سِجَّادَتِكِ تُصلِّين رَكعاتٍ تتقرَّبينَ
بها للرَّحمَن ..؟!!
لا تقولي : أنا أُشاهِدُها للتَّسليةِ .
وهل
في عُمُرِ الإنسانِ وقتٌ يُضَيِّعُهُ في التَّسليةِ والَّلهوِ
..؟!!
ثُمَّ أخبريني أُختاه ، ما الذي تُشاهدينَهُ في
القنوات ..؟
أنبياءٌ وصَحابة ..؟!! أم تُشاهِدينَ مُمَثِّلينَ ومُمَثِّلاتٍ ، مِمَّن يُبدونَ العَورات ،
ومِمَّن تَخضعنَ بالكلمات ، وتَظهرنَ مُتَبَرِّجاتٍ
سافِرات ..؟!!
لا تقولي : مُسلسلاتٌ دِينية ، وحِكاياتٌ تاريخية
، تُعَلِّمُنا ، وتزيدُ ثقافَتَنا ،
وتَرفعُ هِمَّتَنا .
وأين ذَهَبَت كُتُبُ
التَّاريخ ..؟! وأين ذَهَبَت كُتُبُ المَشايخِ والعُلَماءِ ،
مِمَن عاصَروا
الأحداثَ ، فلم يُزَيِّفوها لنا كما يَحدُثُ بالمُسلسلات ..؟!
إنَّها حُجَجٌ
فارِغَة .
ولتعلمي – أُختاهُ – أنَّ عَينيكِ ستُسألانِ
عَمَّا تُشاهدانِهِ ، وستُسألان أُذُناكِ
عَمَّا تَسمعانِهِ ، وهكذا كُلُّ عُضوٍ مِن
أعضائِكِ ، ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
وَالْفُؤَادَ
كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ
عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ الإسراء/36
.
أُختاه ، كم مِن شخصٍ قبلَكِ قد مات ، وكان
يتمنَّى أنْ يبلُغَ رمضان ، وقد حالَ بينه وبين رمضان الموت ، وأنتِ قد بلَّغَكِ
اللهُ رمضان ، ولا تضمني أتعيشين لرمضان القادِم أم لا تُدركيه
.
فاغتنمي أوقاتَ الطَّاعات ، فالعُمُرُ يجري
سريعًا ، والحياةُ قصيرةٌ جدًا ، ونحنُ بأَمَسِّ الحاجةِ ولو لحسنةٍ واحدةٍ
تُنَجِّينا مِنَ النار .
وليس الكلامُ لَكِ وَحدكِ ، بل لِكُلِّ مَن جلسَت
أمامَ الشَّاشاتِ في شَهرِ الخَيْرِ والطَّاعات ، سواءٌ كان ذلك ليلاً أو نَهارًا .
فلو لاحظتِ الوقتَ في رمضان ، لرأيتيهِ يَمُرُّ بسُرعةِ البَرْقِ
.
احذري – أُختاهُ – مِن أنْ يَجذِبَكِ التِّلفاز ،
ويُضَيِّعَ وقتَكِ ، ولو ببرامِجَ مُفيدة ، فأنتِ مُحاسَبةٌ على كُلَّ لَحظةٍ مِن
لَحَظَاتِ عُمُرِكِ ، يقولُ نَبِيُّنا مُحمدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (( لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربع : عن
عُمُرِه فيمَ أفناه ....... )) صحيح الترغيب
.
ولتعلمي – أُختاهُ – أنَّ دُعاةَ الفِتنةِ
يُكَرِّسونَ أوقاتَهم قبل رمضان ، ويتفنَّنونَ في إخراجِ المُسلسلاتِ والبرامَجِ
التي تُضَيِّعُ الأوقاتَ ، وتُثيرُ الشَّهَواتِ ، وتُوجِدُ الشُّبُهاتِ ، في شهر
التَّقَرُّبِ مِن رَبِّ البَرِيَّاتِ .
فإنْ تابعتِ برامِجَهم ومُسلسلاتِهم ، فقد
ساعدتيهم على تحقيقِ أهدافِهم الدَّنيئة .
ألَا تعلمينَ يا أُختاهُ أنَّ هؤلاءِ مِمّن
يُحِبُّونَ إشاعةَ الفواحِشِ في المُجتمعِ المُسلِم ..؟!
بل هم مِمَّن يُشيعونها
بما يُقدِّمونَ في قنواتِهم ، وبما يَعرِضون على شاشاتِهم ..؟!
وقد قال رَبُّنا
سُبحانه وتعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ
الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا
وَالْآَخِرَةِ ﴾ النور/19
.
فلتنتبهي – أُختاهُ – لِمَا يُحيكُهُ لَكِ
الأعداءُ مِن مُؤامراتٍ وخِداعاتٍ ، بِزَعمِ الاستفادةِ مِنَ القنواتِ ، وقضاءِ
أمتعِ الأوقاتِ أمامها .
لتُحاولي قَدْرَ الإمكانِ أنْ تتزوَّدي مِنَ
الصَّالِحاتِ في شَهر الطَّاعاتِ ، وليكُن لَكِ وِرْدٌ يَوميٌّ مِنَ القُرآنِ ،
بحيثُ تختمينَهُ ولو مرةً في شهر رمضان ، ولو زاد عددُ الخَتماتِ لكانَ أفضل ، مع
التَّدَبُّرِ وحُسنِ التِّلاوة .
ولتحرصي على قيامِ الليل ( التَّراويح ) مع
الجماعةِ بالمَسجدِ إنْ أمكنكِ ذلك ، وإلَّا فوحدكِ في بيتكِ
.
ولا تنسي تعجيل الفِطرِ وتأخيرِ السّحور ، فهو
سُنَّةٌ عن نبيِّكِ مُحمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، ((
عجِّلوا الإفطارَ ، وأَخِّروا السّحور )) صحيح
الجامع .
ولتحتسبي الأجرَ في أعمالِ بيتِكِ ، وفي إعدادِ
وجبتيْ الفِطر والسّحور ، فإنَّكِ مأجورةٌ – بإذن اللهِ – على ذلك
.
وأُذَكِّرُكِ – أخيرًا – بحديثِ نبيِّنا محمدٍ
صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (( مَن صام رمضان إيمانًا
واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ ، ومَن قام ليلةَ القَدْرِ إيمانًا
واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ )) مُتَّفَقٌ عليه ، (( مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن
ذنبِهِ )) رواه مُسلِم
.
قال الحافِظُ ابنُ حَجَر في فَتح الباري : ‹‹ المُرادُ بالإيمان : الاعتقادُ بفَرضيَّةِ صومِهِ ، وبالاحتسابِ
: طلبُ الثَّوابِ مِنَ اللهِ تعالى ›› .
تقبَّلَ اللهُ مِنَّا ومِنكُنَّ صالِحَ الأعمال
.
بقلم / الساعية إلى الجنة
الروابط المفضلة