~ رسَالتي إلى ( الظَّالِم ) ~
ــــــــــ
أيُّها الظَّالِم تمهَّل .. فقـد حان الوقتُ لتتأمَّل .
نعم .. لتتأمَّل أفعالَكَ ، وتنظرَ في أعمالِك ، لِتَعرِفَ إلى أين مآلُك .
أيُّها الظَّالِمُ .. هـذه كلماتي أكتُبُها إليك ، لا لشئٍ إلَّا لخوفي عليك .
فإنِّي رأيتُكَ قـد طَغَيْتَ وبَغَيْت ، وظلَمتَ وتعدَّيْت ،
ولم تُراعي الحُرُمات ، ولم تَخشَ العُقوبات .
فانتبـه .. انتبـه .. و توقَّف .. توقَّف .
أمَّا سَمِعتَ قـولَ نبيِّكَ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم :
(( اتَّقوا الظُّلمَ ؛ فإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامة )) رواه مسلم ..؟!
نعم .. ظُلُماتٌ لا تُطيقُها ، ولا تتحمَّلُها ، ولا تستطيعُ البقاءَ فيها .
فخَف على نفسِكَ .. خَف على نفسِكَ مِن هَوْلِ يومٍ تشيبُ له الوِلدان .
أيُّها الظَّالِم .. أتُريدُ أنْ يُقتَصَّ مِنكَ يومَ القيامة ..؟!
أَيَسُرُّكَ أنْ تَقِفَ بين يدَيْ رَبِّكَ سُبحانه وتعالى وأنتَ ظالِمٌ ، فيُحاسِبُكَ ويُعاقِبُك ..؟!
أَيَسُرُّكَ أنْ يأخُذَ المظلومُ مِن حسناتِكَ ، بل إنْ لم يكُن لَكَ حسناتٌ ،
طُرِحَت عليكَ مِن سيئاتِه ..؟!
عن أبي هُريرةَ – رَضِيَ اللهُ عنه – عن النبيِّ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – قال :
(( مَن كانت عنده مَظلِمةٌ لأخيه ، مِن عِرضِهِ أو مِن شئٍ ، فليتحلَّله مِنه اليومَ ، قبل أنْ لا يكونَ دينارٌ ولا دِرهم ، إنْ كان له عملٌ صالِحٌ أُخِذَ منه بقـدر مَظلمته ، وإنْ لم يكن له حسناتٌ ، أُخِذَ مِن سيئاتِ صاحِبِهِ ، فحُمِلَ عليه )) رواه البُخاريُّ .
واعلم - أيُّها الظَّالِم - أنَّ الظُّلمَ قـد يكونُ بالِّلسان : غِيبةٌ - نميمةٌ -
كَذِبٌ - قَـذْفٌ - وغيرُهُ ، وقـد يكونُ باليَد : ضَرْبٌ – أَخْذُ أرضٍ
ليست مِن حَقِّك – أَخْذُ مالٍ لا يَحِلُّ لَك ؛ كالسرقةِ وأكلِ مال اليتيم – وغيرُهُ .
فلا تَظلِم أخاكَ المُسلِم ، واسمع لقولِ نبيِّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم :
(( مَن ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِن الأرضِ طُوِّقَهُ مِن سَبْعِ أرضين )) مُتَّفَقٌ عليه ..
فنعوذُ باللهِ مِن ذلك .
أمَا تخشى هـذا العِقاب ..؟!!
أَتَظُنُّ أَنَّكَ مُخلَّدٌ في الدُّنيا ..؟! أو أنَّ هناكَ مَن سينفعُكَ ، ويُدافِعُ عنكَ ،
ويَقِفُ بجانِبِكَ ، ويُساعِدُكَ يومَ القِيامة ، أو يَشفعُ لَكَ ويُنقِذُكَ مِن النار ..؟!!
الجــوابُ على ذلك في قـولِ اللهِ جَلَّ وعَلا : ﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ
وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ غافر/18 ، وفي قولِهِ سُبحانه وتعالى : ﴿ وَمَا لِلظَّالِمِينَ
مِن نَصِيرٍ ﴾ الحَج/71 .
فيا أيُّها الظَّالِم .. كُفَّ عن ظُلْمِكَ ، واعترِف بذنبِكَ ، فإنَّ العاقبةَ
قـد تأتيكَ في الدُّنيا قبل الآخِرة ، يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم :
(( إنَّ اللهَ لَيُملي للظَّالِمِ ، فإذا أَخَذَهُ لم يُفلِته )) ثُمَّ قـرأ :
﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾
هُود/102 .
أيُّها الظَّالِم .. اسمَع لقولِ الشاعِـر :
لا تَظلِمَنَّ إذا ما كُنتَ مُقتَدِرًا .. فالظُّلْمُ تَرجِعُ عُقباهُ إلى النَّدَمِ
تنامُ عيناكَ والمظلومُ مُنتبِهٌ .. يدعوا عليكَ وعينُ اللهِ لم تَنَمِ
نعم .. فإنَّ دعـوةَ المظلومِ مُستجابةٌ ، فاحذرها ، واجتنبها ،
فإنَّها إنْ أصابتكَ لم تستطِع الإفلاتَ مِنها ، إلَّا أنْ تتحلَّلَ المظلومَ ،
فيُسامِحكَ ويعفو عنك .
فاحـذر أيُّها الظَّالِم الاستمرارَ على ما أنتَ فيه مِن الظُّلم ،
ومِن أكل حُقوقِ الناسِ بالباطِل ، فإنَّكَ إنْ لم تَتُب مِن ظُلمِكَ ،
وإنْ لم تَرجِع إلى رَبِّكَ ، فسيأتي اليومُ الذي تندمُ فيه أشَدَّ النَّدَم ،
وقـد لا ينفعُكَ حينها النَّدَم .
واعلم أنَّه إذا جاءَكَ الموتُ ، فلن يَسُرُّكَ ما أنتَ فيه مِن المعصية ،
بل ستتمنَّى العَودةَ إلى الدُّنيا ولو لساعةٍ واحِدةٍ ، وتقول : ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴾
المُؤمنون/99 .. لماذا ..؟! لماذا تُريدُ الرجوعَ للدُّنيا ..؟! ﴿ لَعَلِّي أَعْمَلُ
صَالِحًا فيمَا تَرَكْتُ ﴾ المُؤمنون/100 .. ما العملُ الصَّالحُ الذي تركتَه ..؟!
ما العملُ الذي تتمنَّى أنْ تَرجِعَ للدُّنيا لتقومَ به ..؟! إنَّه : رَدُّ الحُقوقِ
لأهلِها – إنَّه التَّوبةُ مِن الظُّلم – إنَّه الرجوعُ إلى اللهِ سُبحانه وتعالى –
إنَّه تركُ المعاصي – إنَّه فِعلُ ما يُقَرِّبُ إلى الله تعالى ، وتركُ ما يُبعِدُ
عنه – إنَّه المُسابقةُ والمُسارعةُ إلى المغفرةِ والجَنَّة .
فيا أيُّها الظَّالِم .. الفُرصةُ ما زالت أمامكَ ، فاغتنِمها .. ما زالت أنفاسُكَ تخرُج ..
فتُب قبل أنْ تدخُل ولا تخرُج ، أو تخرُج ولا تدخُل ..
واعلم أنَّ اللهَ تعالى يَغفِرُ الذَّنبَ ، ويَقبلُ التَّوبَ .
-
أسألُ اللهَ جلَّ وعلا لي ولجميع المُسلمينَ الهِدايةَ والتوفيق ،
وأنْ يرزقنا التوبةَ النَّصوحَ قبل المـوت .
-
بقلم أُختِكُنَّ / السَّاعِية إلى الجنَّة
الأربعاء 11 جُمَادَى الأولَى 1430 هـ .
6 مايـــــــو 2009 م
الروابط المفضلة