الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه
أن المتأمل في تصنيف موضوعات القرآن الكريم يجد فيه أكثر من
( 100 ) آية.. تتحدث عن المهنة والعمل، منها..
قوله سبحانه : (.. قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ..)يوسف55 و قوله سبحانه :(.. إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ..)القصص26
وقوله سبحانه :(.. وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ..) المزمِّل 20 والاهتمام بأخلاق المهنة ينطلق من مفهوم قول الله سبحانه :
(.. وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ..)النحل : 89
والقرآن الكريم بيَّن ما يحتاجه الناس في حياتهم ؛ وهذا يدلّ على ضرورة ربط العمل ، بمبادئ الإسلام ؛
لأن مبادئ الإسلام جاءت بما فيه صلاح الخلق في معاشهم ومعادهم..
فكل وظيفةٍ مباحة يعمل فيها العامل المسلم بنيةٍ صالحة لبناء مجتمعٍ إسلامي، أو
خدمة المسلمين ؛ فإنه يحرث للآخرة ، سواء كانت الوظيفة شرعية ،
أوعلمية ، أو صناعية، أو إدارية، أو تربوية ، أوغيرها ..عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( .. إِنَّمَاالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ....)مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فمن فوائد هذا الحديث:
الحثّ على الإخلاص لله عزّ وجل،
وهذا الشمول أحد الركائز الأساسية للعقيدة الإسلامية، والحضارة الإسلامية.
قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني:
" كان سيدنا نوح عليه السلام نجاراً يأكل من كسبه،
وسيدنا إدريس عليه السلام كان خياطاً،
وسيدنا إبراهيم عليه السلام كان بزازاً ،
وسيدنا داود عليه السلام كان يأكل من كسبه،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله كان داود عليه السلام (.. لا يأكل إلا من عمل يده..) رواه البخاري
وعنه أن رسول الله قال:(.. كان زكريا عليه السلام نجاراً..) رواه مسلم وسيدنا سليمان صلوات الله عليه كان يصنع المكاتل من الخوص فيأكل من ذلك ،
وسيدنا زكريا عليه السلام كان نجاراً،
وسيدنا عيسى عليه السلام كان يأكل من غزل أمه ..
وجاءت السنة النبوية كتطبيقٍ عمليٍّ لأخلاقيات العمل، حيث كان النبي الكريم
يعمل في شبابه راعياً للغنم على قراريط لأهل مكة ..
وبيَّن أن كلَّ الأنبياء عليهم السلام قد رعوا الغنم ،
وعمل لخديجة رضي الله عنها قبل نبوّته في التجارة ، فنجحت تجارتها وبورك فيها، وعرضت نفسها عليه وقالت:
(..يَا ابْنَ عَمِّ أَنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِيكَ لِقَرَابَتِكَ مِنِّي وَشَرَفِكَ فِي قَوْمِكَ وَسِطَتِكَ فِيهِمْ وَأَمَانَتِكَ عِنْدَهُمْ وَحُسْنِ خُلُقِكَ وَصِدْقِ حَدِيثِكَ ..)
ثم عرضت عليه نفسها ، وكانت خديجة بنت خويلد عليها السلام امرأة لبيبة شريفة
، وهى يومئذ أوسط قريش نسباً وأعظمهم شرفاً وأكثرهم مالاً على كل قومها..
قال ابن القيم: (.. إن النبي باع واشترى ، وشراؤه أكثر، وآجر واستأجر وإيجاره أكثر، وضارب وشارك، ووكل وتوكل وتوكيله أكثر، وأهدى وأهدي له،
ووهب واستوهب، واستدان واستعار، وضمن عامّاً وخاصّاً، ووقف وشفع فقبل تارة وردّ أخرى..)
كذلك حثّ نبينا على العمل ، وبيَّن أنه خير الكسب ،
عن المقدام بن معد يكرب
(.. مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُل مِنْ عَمَلِ يَده ..)رواه البخاري
بل عدّه من الجهاد في سبيل الله ..
فكانت نظرة الإسلام للعمل نظرة إجلال وتكريم ، فهم يوفر حاجات الإنسان المختلفة ومطالبه المادية ، ويحقق له الاستقرار الاجتماعي ،
ويساعد في البناء والتطور والتقدم الحضاري ، لذلك اهتم الإسلام بالعمل اهتماماً بالغاُ وجعله من الواجبات ، ورتب عليه الأجر والثواب العظيم، فعن كعب ابن عجرة قال: (.. مر على النبي رجل ، فرأى أصحاب رسول الله من جلده ونشاطه ما أعجبهم فقالوا..: (.. يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ..) يعنون النشاط والقوة في سبيل الله..؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ :
(.. إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ،
وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ..)الطبراني والبيهقي..
الروابط المفضلة