وحكي أن ابن عمر اشتكى فاشترى له عنقود عنب بدرهم فجاء مسكين فقال أعطوه إياه ثم خالف إنسان فاشتراه بدرهم ثم جاء به إليه فجاء المسكين يسأل فقال أعطوه إياه ثم خالف إنسان فاشتراه منه بدرهم فأراد أن يرجع حتى منع ولو علم بذلك العنقود ما ذاقه
أبناء الصحابة
براعم نبتت في تربة خصبة
ينابع فائضة من الحكم والمواقف الراسخة
سطور عريضة في مجلدات تاريخنا
فتيان وفتيات
أبناء صحابة وصحابيات
أعمار يافعة رسخوا في ذاكرتنا وأدمعت العين من مواقفهم
ودق القلب فخرا بهم
فأحبنناهم قدوة لنا ونراهم في أبنائنا
يتعطر بهم الفؤاد
وتسمو بهم الحياة
سيرة مجاهدين وفقهاء وبطولات رجولة مبكرة
إخترت اليوم من الباقة العطرة
عبد الله بن عمر بن الخطاب
رجولة مبكرة، وإسم يجسد كل معاني الإيمان والإستقامة، نهج قوي سليم تحدى كل المعاني الدنيوية، زهد وإكتفاء بما عند الله،
سنبحر مع الصحابي وابن الصحابي الأول، وتسمو لحظاتنا معه بكل معاني الورع والقنوت.
ألقابه :
أبو عبد الرحمن، راهب الليل.
صفاته:
كان بن عمر رجلاً آدم جسيماً ضخم، يقول بن عمر إنّما جاءتنا الأدْمة من قبل أخوالي، والخال أنزعُ شيء، وجاءني البُضع من أخوالي، فهاتان الخصلتان لم تكونا في أبي رحمه الله، كان أبي أبيض، لا يتزوّج النساء شهوةً إلا لطلب الولد.
الزهد:
يقول ميمون بن مهران (دخلت على بن عمر، فقوّمت كل شيء في بيته من فراش ولحاف وبساط، ومن كل شيء فيه، فما وجدته يساوي مائة درهم )... فلا يبالي أن يتركه الجود فقيرا.
الخوف من الله:
كان يرفع يديه إلى السماء ويقول: ( اللهم إنك تعلم أنه لولا مخافتك لزاحمنا قومنا قريشاً في هذه الدنيا.)
قد كان علمه وتواضعه، واستقامة ضميره ونهجه، وجوده، وورعه، ومثابرته، على العبادة وصدق استمساكه بالقدوة.. اخلاق وصفات صاغ بن عمر عمره منها، ولخصت حياة هذا الرجل الصالح، وميزت مواقفه بالحكمة، ونهج من الفضائل لاينحرف عنه قيد اشعر.
إنه الصحابي الكريم عبد الله بن عمر بن الخطاب وبن صحابي ـــ رضي الله عنهما ـــ
أمه زينب بنت مظعون، ولد بعد البعثة النبوية بثلاث سنوات،وأباه لازال على الكفر.
بدأت علاقته بالإسلام منذ أن هاجر مع والده إلى المدينة وهو إبن عشرة أعوام، كانت متابعته خطى الرسول أمرا يبهر الألباب، فقد كان يتتبعه صلى الله عليه وسلم كظله، ويتحرى أن يصلى في كل مكان صلى فيه النبي، و هنا يدعو قائما كالرسول الكريم، فيدعو بن عمر قائما، وهنا كان الرسول يدعو جالسا، فيدعو عبدالله جالسا..
وتقول في ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ما كان أحد يتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في منازله كما كان يتبعه ابن عمر.
كان عبدالله مثل أبيه رضي الله عنهما تهطل دموعه حين يسمع آيات النذير في القرآن، فقد جلس يوما بين إخوانه فقرأ... ( ويل للمُطَفِّفين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وَزَنوهم يُخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين .) (سورة المطففين 1___6)
ثم مضى يردد: (يوم يقوم الناس لرب العالمين )( سورة المطففين6 ) ... ودموعه تسيل كالمطر، حتى وقع من كثرة وجده وبكائه .
الحدر:
كان شديد الحدر في رواية الحديث،
كما كان شديد الحذر والحرص في الفُتي، فقد جاءه يوما سائل يستفتيه في سؤال فأجابه :
( قائل لا علم لي بما تسأل )...وذهب الرجل إلى سبيله، ولا يكاد يبتعد بضع خطوات عن ابن عمر حتى يفرك ابن عمر كفيه فرحا ويقول لنفسه سئل ابن عمر عما لا يعلم، فقال لا يعلم )ذكره الدارمي في مسنده .
جوده:
كان رضي الله عنه ذو دخل رغد حسن، إذ كان تاجراً أميناً ناجح، وكان راتبه من بيت مال المسلمين وفير، ولكنه لم يدخر هذا العطاء لنفسه قط، إنما كان يرسله على الفقراء والمساكين والسائلين.
الراوي: نافع مولى ابن عمر المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - لصفحة أو الرقم: 9/350
خلاصة حكم المحدث: رجاله رجال الصحيح غير نعيم بن حماد وهو ثقة
جهاده
في غزوة أحد أراد أن يخرج للجهاد، فعرض نفسه على النبي فردَّه لصغر سنه، وفي غزوة الخندق ظل يلح على النبي حتى وافق على خروجه، وكان عمره خمس عشرة سنة، يقول عبد الله: ( عُرضتُ على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وأنا بن ثلاث عشرة فردّني، ثم عرضتُ عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فردّني ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسَ عشرة فأجازني.)الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - لصفحة أو الرقم: 1711
خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح غريب.
وشارك في بيعة الرضوان، واستمر بعد ذلك يجاهد في جميع الغزوات والمواقع.
فقد خرج إلى العراق وشهد القادسية ووقائع الفرس، وورَدَ المدائن، وشهد اليرموك، وغزا إفريقية مرتين.
الخلافة و القضاء في حياة أبو عبد الرحمن :
كان كارهًا لمناصب الدنيا، خائفًا من تحمل أعبائها، فقد عرضت الخلافة على ابن عمر عدت مرات فلم يقبلها، ودعاه يوما الخليفة عثمان رضي الله عنهما، وطلب اليه أن يشغل منصب القضاة، فاعتذر.. وألح عليه عثمان، فثابر على اعتذاره..وسأله عثمان: أتعصيني؟؟ فأجاب ابن عمر: كلا.. ولكن بلغني أن القضاة ثلاثة:
واحد ناج واثنان في النار قاض قضى بالهوى فهو في النار وقاض قضى بغير علم فهو في النار وقاض قضى بالحق فهو في الجنة. الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - لصفحة أو الرقم: 4/196
خلاصة حكم المحدث: رجاله ثقات .
واني لسائلك بالله أن تعفيني"..
وأعفاه عثمان، بعد أن أخذ عليه العهد ألا يخبر أحدا بهذا . ذلك أن عثمان يعلم مكانة ابن عمر في أفئدة الناس، وأنه ليخشى إذا عرف الأتقياء الصالحون عزوفه عن القضاء أن يتابعوا وينهجوا نهجه، وعندئذ لا يجد الخليفة تقيا يعمل قاضيا.
رؤياه:
ولقد رأى في شبابه رؤيا، فسرها الرسول تفسيرا جعل قيام الليل منتهى آمال عبدالله، ومناط غبطته وحبوره .. يحدثنا بن عمر رضي الله عنهما :
( رأيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن بيدي قطعة إستبرق، وكأنني لا أريد مكانا من الجنة إلا طارت بي إليه، ورأيت كأن اثنين أتياني وأرادا أن يذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، فإذا لها قرنان كقرني البئر، فرأيت فيها ناساً قد عرفتهم، فجعلت أقول: ( أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار )...فلقينا ملك فقال لا تُرَع فخليا عني)... فقصت حفصة أختي على النبي صلى الله عليه وسلم رؤياي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل فيكثر )...ومنذ ذلك اليوم لا ينام من الليل إلا قليلاً [متفق عليه].
وكان إذا فاتته العشاء في جماعة، أحيي بقية ليلته. وكان لعبد الله مهراس (حجر مجوف) يوضع فيه الماء للوضوء فيصلي ما قدر له، ثم يصير إلى الفراش فيغض إغفاء الطائر (ينام نومًا قصيرًا)، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي، يفعل ذلك
في الليل أربع مرات أو خمسًا
وكان موقفه من الفتنة المسلحة بين علي ومعاوية موقفا ثابتا محايدا: ( من قال حيّ على الصلاة أجبته، ومن قال حيّ على الفلاح أجبته، ومن قال حيّ على قَتْل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت: لا )... لاهروبا، أو سلبية، بل رفضا لاقرار حرب أهلية بين الأمة المؤمنة، واستنكافا على أن يشهر مسلم في وجه مسلم سيفا..وقد عاش عبد الله بن عمر عمرا طويل من القنوت والورع، وشهد زمنا تفتحت فيه ابواب المال والسلطة للمسلمين لكنه أبى إلا أن يكون شخصه، وانتصر نهجه السليم عل كل إغراء دنيوي واكتفى بما عند الله.
وقد كف بصر عبد الله بن عمر رضي الله عنه آخر عمره، وكانت وصيته في مرضه (أمّا مالي فالله أعلم ما كنت أفعل فيه، وأمّا رباعي وأرضي فإنّي لا أحب أن يُشارك ولدي فيها أحد )... ولمّا حضر بن عمر الموت قال: ( ما آسى على شيءٍ من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقاتل هذه الفئة التي نزلت بنا ) ...يعني الحجاج... وبينما كان عبد الله رضي الله عنه يؤدي فريضة الحج أصابه سن رمح كان مع أحد الرجال في منى فجرحه، فأدى هذا الجرح إلى وفات آخر ممثل لعصر الوحي ـ في مكة والمدينة ـ عبد الله بن عمر بن الخطاب، ودفن بمكة في سنة ،(73هـ)، وقد روى كثيرًا من أحاديث الرسول، حيث روى ألفين وست مئة وثلاثين حديثًا.
الروابط المفضلة