لأنه لم يمسك لسانه لأنه .. لم يكف يده ..
لأنه استغل منصبه وكرسيه فى ظلم العباد وفى إحراج وإهانة خلق اللـه من الضعفاء المستضعفين !!
أستحلفكم باللـه أن تتدبروا هذا الحديث
وأن تعيشوا معه بالقلوب والوجدان ، فإن الحديث يكاد يخلع القلب إن تدبرناه وعياناه ، تصوروا معى هذا المشهد فى أرض المحشر ها هو الظالم فى أرض المحشر يقف بين يدى اللـه فى ذل وخشوع وانكسار ،
شخص ببصره لا يرتد لأعلى ولا لأسفل ولا يمنة ولا يسرة
بل قفز قلبه من جوفه ، الشمس فوق الروؤس تكاد تصهر العظام والزحام يكاد يخنق الأنفاس ، والعرق يكاد يغرق الناس وجهنم أتى بها لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها
تظفر وتذمجر غضباً منها لغضب الجبار جل وعلا .
لأن اللـه قد غضب هذا اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله .
وفى هذه اللحظات !! وفى هذا الكربات !!
ومع هذا الهول العصيب!! يرى الظالم وقد أحيط بمجموعه من الناس ..
يا ترى من هؤلاء ؟ هؤلاء هم الذين ظلمهم فى الدنيا ،
فها هو ظلم من ظلم وقد نسى ، فها هم المظلومون يظهروا له يوم القيامة ، ويتعلقون به ويجرونه جراً ليقفوه بين يدى اللـه جل وعلا ، هذا يجره من ظهره وهذا يجره من لحيته وهذا يجره من يمينه وهذا يجره من يساره .
فإذا أوقفوه بين يدى الملك وأذن اللـه لدواوين المظالم أن تنصب وللقصاص أن يبدأ ، يقول هذا : يارب هذا شتمنى ، والأخر يقول يارب وهذا ظلمنى ، والأخر يقول : يارب هذا اغتابنى ،
والأخر يقول : يارب هذا غشنى فى البيع والشراء ، والآخر يقول: يارب هذا وجدنى مظلوماً وكان قادراً على دفع الظلم فجامل ونافق الظالم وتركنى ، والأخر يقول : يارب هذا جاورنى فأساء جوارى .
، وأنت واقف يا مسكين ما أشد حسرتك فى هذه اللحظات
فيقال : خذوا من حسناته ،
فتنظر إلى صحيفتك التى بين يديك فتراها قد خلت من الحسنات التى تعبت فى تحصيلها طوال عمرك ، فتصرخ وتقول: أين حسناتى ؟!
أين صلاتى ؟! أين زكاتى؟! أين دعوتى ؟! أين علمى ؟! أين قرآنى ؟! أين برى ؟! أين طاعتى ؟! أين عملى الصالح ؟! أين ؟! أين ؟! أين ....؟!
أتعرف أين هى يا مسكين ؟!
لقد نقلت إلى صحائف من ظلمتهم فى الدنيا والآن فنيت حسناتك
، فيأمر الحق سبحانه أن تأخذ من سيئات من ظلمتهم فى دنياك لتطرح عليك فتنظر إلى صحيفتك
فترى الصحيفة قد شحنت بالسيئات ، فتصرخ وتقول :
يارب هذه سيئات واللـه ما اقرفتها واللـه ، فيقال لك : نعم إنها سيئات من ظلمتهم فى الدنيا من خلق اللـه ومن عباد اللـه
فتمد عنق الرجاء إلى سيدك ومولاك لعلك تنجو فى هذه اللحظات
فيقرع النداء سمعك ويخلع النداء قلبك
كما قال الحق تبارك وتعالى :
{ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ(42)مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ(43)وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ(44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ(45)وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ(46)فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ(47)يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ(48)وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ(49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ(50)لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(51)هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } إبراهيم
ثالثاً : حرمة الدماء
إن حرمة الدماء عند اللـه عظيمة ، لذا كان أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة فى الدماء .
ففى الصحيحين من حديث ابن مسعود أن النبى قال : (( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة فى الدماء ))
أرجو أن ننتبه إذ أنه لا تعارض بين هذا الحديث :
(( أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة فى الدماء )) .
وبين الحديث الصحيح الذى رواه أصحاب السنن وفيه يقول المصطفى : (( أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة ))
إذاً كيف نزيل هذا التعارض بين الحديثين ؟!
قال أهل العلم : أما الصلاة هى أول حق لله يقضى اللـه فيه ، وأما الدماء هو أول حق يقضى اللـه فيه للعباد
ولذلك جمعت رواية النسائى بين الأمرين فى لفظ واحد فقال المصطفى : (( أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة وأول ما يقضى فيه بين العباد فى الدماء )) .
سأذكر الآن الأحاديث لو وعيناها ما رأينا هذه البرك من الدماء هنا وهناك ،
إذ أننا نرى الآن الدماء لا حرمة لها
يُقتل كل يوم العشرات بل المئات بل الألوف بدون مبالغة
وهذه من علامات الساعة
كما قال الصادق المصدوق (( بين يدى الساعة يكثر الهرج )) قالوا: وما الهرج يارسول اللـه قال (( القتل القتل )) وفى لفظ (( لا يدرى القاتل فيما قتل ولا يدرى المقتول فيما قتل )) .
اللـه عز وجل يقول :{ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } الأنعام
(( لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا اللـه إلا اللـه وأن محمد رسول اللـه إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزانى ، و النفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ))
هذه هى الحالات الثلاثة التى يحل فيها دم المسلم .
الحالة الأولى : القصاص ( النفس بالنفس )
والقصاص يقوم به ولى أمر المسلم ، أو من ينوب عنه ، إذ أن الأمر ليس متروكاً للأفراد حتى يتحول المجتمع إلى فوضى ، القصاص فيه حياة المجتمع ،
فإن القاتل إن علم أنه سيقتل سيفكر ألف مرة قبل أن يتطاول على النفس التى خلقها رب الأرض والسماء أليس اللـه هو القائل :
{ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة
قال النى لأسامة يوم أن تقدم ليشفع فى امرأة مخزومية شريفة سرقت (( واللـه لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها أنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ))
الحالة الثانية : الثيب الزانى
الثيب : هو المحصن الذى رزقه اللـه بزوجة فى الحلال الطيب ،
فترك زوجته فى الحلال ،
وراح يرتع فى مستنقع الرذيلة الآثم العفن
فدنس العرض وانتهك الشرف ، فهذا يقتل رجماً حتى الموت ، وقد يستصعب الإنسان منا هذا الحكم
ولكنه سيقول يقتل ثم يقتل ثم يقتل
إن مست كرامته أو انتهك عرضه أو دنس شرفه .
الحالة الثالثة : الردة
إن الذى يترك دين الإسلام بعد أن منَّ اللـه به عليه
هذا يقتل لقول النبى كما فى صحيح البخارى من حديث ابن عباس : (( من بدل دينه فاقتلوه ))
هذه هى الحالات الثلاثة التى يجوز فيها لولى الأمر المسلم ، أو من ينوب عنه أن يسفك الدم فى حدود الشرع التى حددها اللـه جل وعلا .
أما فيما عدا ذلك فإن قتل النفس البريئة أمر تشيب له الرؤوس
اسمعوا وتدبروا قول اللـه:
{ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } النساء
وفى الحديث الذى رواه أحمد وأبو داود والحاكم والنسائى وصححه الألبانى فى صحيح الجامع أن الحبيب النبى قال : (( كل ذنب عسى اللـه أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً ))
رابعاً : القصاص بين المؤمنين
هل يحدث قصاص بين أهل التوحيد والإيمان ؟!!
نعم.. نعم.. أنه لن يدخل الجنة أحد ولو كان موحداً لله مطيعاً لله متبعا لرسول اللـه أبداً وعنده مظلمة لأخيه
اسمعوا لحبيبكم النبى محمد هذا الحديث الذى رواه البخارى من حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللـه عنه أن النبى قال : (( إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فيتقاضون مظالم كانت بينهم فى الدنيا ، حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بالدخول إلى الجنة ، فو الذى نفس محمد بيده ، لأحدكم بمسكنه فى الجنة أدل بمنزله كان فى الدنيا ))
أيها الأحباب الكرام بذلك أكون قد أنهيت الحديث فى الجملة عما يحدث يوم القيامة فى ساحة الحساب
وبقى أن نتعرف فى اللقاء المقبل بإذن اللـه إن قدر اللـه لنا البقاء واللقاء
عن صنف مبارك كريم من هذه الأمة الميمونة يدخل الجنة مباشرةً بلا عذاب ولا حساب .. فيا ترى من هؤلاء ؟!!
الجواب فى اللقاء القادم بإذن اللـه تعالى .
الروابط المفضلة