إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله .
(( يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللـه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ
إِنَّ اللـه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ))النساء
أحبتى فى الله :
هذا هو لقاءنا يتجدد مع سلسلة فى رحاب الدار الآخرة
وكنا قد وقفنا عند هذا المشهد المزلزل المروع الناس جميعاً وهم فى أرض المحشر وقد بلغ بهم ما بلغ من الهول والغم والكرب ،
فالزحام حينذاك يخنق الأنفاس ، والشمس فوق الرؤوس بمقدار ميل ، والناس غرقى فى عرقهم كل بحسب عمله وبحسب قربه من الملك القدير
ويزيد المشهد الرهيب العصيف غماً فوق الغم وكرباً فوق الكرب بإتيان
جهنم والعياذ بالله .
فقد سجل المولى فى قرآنه قال تعالى :
(( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى(23)يَقُولُ
يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24)فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ(25)وَلا يُوثِقُ
وَثَاقَهُ أَحَدٌ)) الفجر
وفى صحيح مسلم من حديث ابن مسعود أنه قال : (( يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون
ألف ملك يجرونها)) .
فإذا ما رأت الخلائق زفرت وزمجرت غضباً منها لغضب الله .
فحينئذ تجثوا جميع الأمم على الركب ..
ولقد سجل القرآن هذا المشهد حيث قال الله تعالى :
(( وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ)) الجاثية
وفى هذه اللحظة تطير قلوب المؤمنين شوقاً إلى الجنة ، وتطير قلوب
المجرمين فزعاً ، وهلعاً ، وهرباً من النار ، ويعض صنف كثير من الناس فى أرض المحشر على أنامله تحسراً على ما قدم فى هذه الحياة الدنيا
ولكن هيهات ..
هيهات !!
قال تعالى :
(( الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ))
(( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ
سَبِيلا(27)يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا(28)لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ
بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولا)) الفرقان
وسوف ينتظم
حديثنا فى هذا الموضوع فى العناصر الآتية :-
أولاً : الشفاعة العظمى .
ثانياً : من أسعد الناس بشفاعة المصطفى.
أولاً : الشفاعة العظمى
روى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة أنه قال : (( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة )) ثم قال :
(( هل تدرون مم ذاك ؟!!
يجمع الله الأولين والأخرين فى صعيد واحد فيبصرهم الناظر ،
ويسمعهم الداعى وتدنو منهم الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب مالا
يطيقون ولا يحتملون ، فيقول الناس ألا ترون ما أنتم فيه ، إلى ما
بلغكم؟!! ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟ فيقول بعض الناس
لبعض : أبوكم آدم . فيأتونه فيقولون ياآدم أنت أبو البشر خلقك اللـه
بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ، وأسكنك الجنة
، ألا تشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا ؟ فيقول : إن
ربى غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ،
وإنه نهانى عن الشجرة فعصيت ، نفسى ، نفسى ، نفسى ... اذهبوا إلى
غيرى . اذهبوا إلى نوح ، فيأتون نوحاً ، فيقولون : يانوح ، أنت أول
الرسل إلى أهل الأرض ، وقد سماك الله عبداً شكوراً ، ألا ترى ما
نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما بلغنا ؟ ألا تشفع لنا عند ربك ؟ فيقول : إن
ربى غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ،
وإنه قد كان لى دعوة دعوت بها على قومى ، نفسى ، نفسى ، نفسى ،
اذهبوا إلى غيرى ، اذهبوا إلى إبراهيم... فيأتون إبراهيم فيقولون :
أنت نبى الله ، وخليله فى أهل الأرض ، اشفع لنا إلى ربك أما ترى
إلى ما نحن فيه ؟ فيقول لهم : إن ربى قد غضب اليوم غضباً لم يغضب
قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإنى كنت كذبت ثلاث كذبات.
فذكرها ، نفسى ، نفسى ، نفسى ، اذهبوا إلى غيرى ، اذهبوا إلى
موسى ، فيأتون موسى . فيقولون: أنت رسول الله ، فضلك برسالاته
وبكلامه على الناس ، اشفع لنا إلى ربك، أما ترى إلى ما نحن فيه ؟
فيقول : إن ربى قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ، ولن
يغضب بعده مثله ، وإنى قد قتلت نفساً لم أُومر بقتلها ، نفسى ، نفسى ،
نفسى اذهبوا إلى غيرى ، اذهبوا إلى عيسى ، فيأتون عيسى ، فيقولون
: يا عيسى ، أنت رسول اللـه وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ،
وكلَّمت الناس فى المهد ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه
؟ فيقول عيسى : إن ربى قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله
ولن يغضب بعده مثله ، ولم يذكر ذنباً ، نفسى ، نفسى ، نفسى . اذهبوا
إلى غيرى ، اذهبوا إلى محمد ، فيأتون محمداً وفى رواية : فيأتونى - فيقولون : يامحمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، اشفع لنا إلى ربك
، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فانطلق ، فآتى تحت العرش ، فأقع ساجداً
لربى ، ثم يفتح الله علىّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه
على أحد قبلى ، ثم يقال : يامحمد ، ارفع رأسك ، وسل تعطــــى ،
واشفــع تُشفّــع فأرفع رأسى ، فأقول : ياربى أمتى))
الروابط المفضلة