رمضان شهر الصبر والشكر
الحمد لله القائل{ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}
والصلاة والسلام على النبي القائل: { للصائم فرحتان، فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه }
والقائل: { من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه }
والقائل: { إن في الجنة بابا يقال له الرّان، يدخل منه الصائمون، فإذا دخلوا أغلق فلا يدخل منه غيرهم }..
أما بعد:
فقد هلّ أشرف الشهور.. بعد طول غياب.. وبعد شوق عظيم.. ذابت الأحداق في انتظاره.. وتمزقت المآقي على فراقه.. وها هو يقدم.. بين يديه العتق والرحمة والمغفرة من الله جلّ وعزّ...
أتاك شهر السعد والمكرمات فحيّه في أجمل الذكريات
يا موسم الغفران أتحفتنا أنت المنى يا زمن الصالحات
أتى هذا الشهر.. ليقول للناس: (إن رحمت الله قريب من المحسنين)..
أتى هذا الشهر.. ليغتسل العاصي من أدران الذنوب والخطايا.. بماء التوبة الطاهر النقي..
أتى هذا الشهر.. ليقول للكون.. كل الكون.. ويقول للدنيا.. أنا شهر العتق من النار..
أتى ليضعف الشهوة.. والخطرات الشيطانية.. فتشرق الروح.
أتى ليذكر المسلم بإخوان له.. أضرّ بهم الجوع.. فعليه أن يتذكر ما هم فيه من بؤس.
أتى هذا الشهر.. ليكون سلوة للنفوس.. أنسا للقلوب.. روضة للعقول.. بلسما للهموم..، عزاء لمن تلطخ بأوحال المعاصي مفتاحا لمن اراد الطاعة.. مغلاقا على من اراد الشر والفساد..
فهو يهيء القلوب، والنفوس لتقبل الطاعات..ومحبة ذلك.. والنفرة عن الذنوب والمعاصي..
إن رمضان إلى رمضان كفار لما بينهما ما لم تؤت الكبائر.. قل لي بربك.. أليست هذه بشرى!!؟؟.
يا صائماً ترك الطعام تعففاً أضحى رفيق الجوع واللأواء
أبشر بعيدك في القيامة رحمة محفوفة بالبرّ والأنداء
يتطاول النهار.. وتمتد الساعات، في نهار رمضان، فيقبل عليها المؤمن بسكينة الذكر فيتركها شذر مذر.. نعم ( لئن شكرتم لأزيدنّكم )..
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: { مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره، كمثل الحي والميت } فكيف بمن يذكر ربه وهو صائم قائم.. نعم والله إن المفردون لفي فوز عظيم.
فيا أيها المسلمون هذا رمضان يعلمنا الصبروالشكر، ويربينا على خلق الصبر، فليكن لنا منه أوفر الحظ والنصيب، وليكن زادا لنا فيما نستقبله من أعمارنا.
وتأمل.. كم من شخص في قبره يتمنى أن يصوم يومًا واحدًا يتقي به عذاب النّار فإن" الصيام جُنّة " فالمطلوب من العبد الفرح وليس الشكر فحسب، فإن لم تفرح برمضان فاعلم أن في النفس غبشاً.
{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَفَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [ يونس: 58 ].
وفي حديث الثلاثة الذين استشهد منهم اثنان وبقي الثالث بعدهما، ومات على فراشه، فرُئِيَ سابقًا لهما فتعجب الناس من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أليس عاش بعدهما وصلى كذا وكذا ؟ وأدرك شهر رمضان فصامه ؟! والذي نفسي بيده إنَّ بينهما كما بين السماء والأرض»
.
واعلم أنه بمجرد وجودك في شهر رمضان وقد مضت عليك هذه الأيام هذا في حد ذاته نعمة تحتاج إلى لهج بالشكر إذ لا زلنا على وجه الأرض وما دخلنا باطنها.
اشكر الله:على عظيم أجر الصيام يقول الله تعالى في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به » [متفق عليه].
فالصوم يختص من بين باقي الأعمال بأنه سر بين العبد وربه والمطلب مراقبة الله، وهذه المراقبة ماهي إلا صبر على تحري مايرضي الله فيقبل عليه العبد، وعلى تحري مايغضب الرب فينفر منه العبد.
فالعبد قد يصوم طيلة العام من النوافل كيومي الإثنين والخميس، والأيام البيض وله في ذلك أجر، لكن صيام رمضان كان جزاؤه أن يغفر له ما تقدم من ذنبه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» [متفق عليه].
*وتنبه هنا إلى أن المضاعفة ليست لكل أحد ولا تكون بمجرد القيام بالعمل، بل يعمل العمل وفي قلبه " إيمانٌ واحتسابٌ"
إيمانٌ: أي امتثال لأمر الله ، وتصديق بوعده.
واحتسابٌ: بطلب الأجر من الله تعالى، والناس يتفاوتون في الأجر على حسب ما قام في قلوبهم من الإيمان والتقوى.
واشكر الله: أن يسر للأمة طريقة العلم بدخول الشهر.
ففي الحديث: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» [رواه البخاري].
واشكر الله:على ما تفضل به على هذه الأمة فأعطاها خمس خصال لم تعطها أمة من الأمم:
1_ خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
2_ تستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا.
3_ يزين الله في كل يوم جنته ويقول: «يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك» [رواه أحمد] .
فالله يعلم أننا في هذه الحياة الدنيا في أذى، وكل ما معنا ما هو إلا مجرد مؤونة، ستأتي لحظة قريبا جدا "يوشك " أن ننفض عنا هذه المؤونة وهذا الأذى، ويصير العبد الصالح إلى جنات النعيم.
4_ تصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره.
5_ يغفر الله لهذه الأمة في آخر ليلة منه .
يغفر لمن كان متعبدًا .. ولنسأل أنفسنا ما حالنا في آخر ليلة من ليالي رمضان؟!
واصبر واشكر: حتى تلقي عنك المؤونة وهذا الأذى وتصير إلى الجنة ونعيمها..
فالمسألة تحتاج إلى جد وصبر.
وما هي إلا أيام وسوف تنقضي ويدرك غبّ السير من هو صابر
و أخيرًا احذر من أن تكون من القوم الذين لا يقدرون الله حق قدره.
قيل للحسن: يا أبا سعيد من أين أتى هذا الخلق ؟قال: من قلة الرضا عن الله، قيل: ومن أين أتي قلة الرضا عن الله ؟ قال: من قلة المعرفة بالله؟
هذا ونسأل الله أن يجعلنا من الفائزين برمضان، وأن يوفقنا فيه لما يحب ويرضى، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
الروابط المفضلة